كثيراً ما أقرأ أخباراً عن أشخاص لا ينامون على الاطلاق أو لم يذوقوا طعم النعاس في حياتهم.. وبدون تردد أدرك وجود تلفيق أو مبالغة في نقل الخبر كون النوم مطلباً أساسياً للانسان (كالطعام والشراب) يستحيل العيش بدونه.. فبالإضافة إلى إرهاق أعضاء الجسم الداخلية يؤدي السهر الى اضطراب قوى الانسان الذهنية وسرعان ما يفقد صلته بالواقع. وهذا يعني ببساطة أن من لا ينام نهائيا سيصاب بالجنون وسوء الخاتمة قبل أن يتاح لأي صحيفة تصويره أو الكتابة عنه (... فسبحان من لا تأخذه سنة ولا نوم)!!! ... ولكن من جهة أخرى يجب أن نميز بين ادعاءات عدم النوم (على الإطلاق) وبين إمكانية السهر لفترة طويلة اعتمادا على عقاقير طبية خاصة.. فسلاح الطيران الأمريكي مثلا يملك عقاقير منشطة تضمن بقاء طياريه يقظين خلال حملات القصف الطويلة. ورغم سرية محتوياتها يعتقد أنها محضرة من ال"امفيتامينات" المنشطة التي يوجد بعضها كمواد طبيعية في الدماغ.. ومن المعروف أن جيوش الدول الكبرى تسعى لتركيب عقاقير تمنع جنودها من النوم لأيام متواصلة. وهي تدرك ان نجاحها في هذا المسعى سينعكس على أداء جنودها ويضمن تفوقهم على جنود الخصم.. فجندي لا ينام يقابله خصم متعب ومشوش من قلة النوم.. وبقاء الجندي مستيقظا يعني استعمالا متواصلا للمعدات العسكرية وقيامه بمهام ثلاثة جنود بنفس القدر من التموينات... وهذه المحاولات تعد استمرارا لتجارب النازيين الألمان الذين أصيبوا بعجز حاد في عدد الجنود في نهاية الحرب العالمية الثانية.. وكان من الحلول المطروحة حينها تطوير عقار يمنع الجنود من النوم - وبالتالي - استثمار طاقاتهم طوال اليوم.. وفي النهاية توصل علماء الجيش إلى عقار فعال يدعى بيكس (PIX) لم يُتح تصنيعه على نطاق واسع بسبب اقتحام الروس لبرلين !! ... وهذه الأيام انتقلت الأبحاث إلى الجانب المدني الذي يرى في النعاس والنوم سببا لمعظم الحوادث المرورية والكوارث الصناعية - ناهيك عن تأثيره على المهن الحساسة كالطيران والحراسة والمراقبة وأقسام الطوارئ.. وقد حُضّرت بالفعل عقاقير ومركبات تقلص من حاجة الانسان للنوم ولكن معظمها اعتمد على مواد منشطة أو منبهه لا تصرف إلا ضمن قيود مشددة.. وقبل عامين فقط أعلنت شركة سيفالون عن انتاج عقار آمن مضاد للنعاس يحافظ على تركيز الإنسان لفترة طويلة (يدعى بروفيجيل).. وقبل أسابيع طورت جامعة كاليفورنيا بخاخا للأنف يحتوي على مادة هرمونية طبيعية توجد في الدماغ (تدعى (Orexin-A أتاحت للقرود البقاء بلا نوم لمدة 36ساعة بدون تأثر قواها العقلية ! ... على أي حال ؛ رغم تحرج البعض من مجرد الحديث عن تناول مثل هذه العقاقير ؛ إلا أنني أراها تقترب شيئا فشيئا من دائرة المستهلك العادي.. فبعد أن كانت مجرد أبحاث عسكرية وسرية - ولا تصرف إلا ضمن قيود مشددة - بدأنا نسمع عن اكتشاف عقاقير آمنه يمكن شراؤها بدون وصفة طبية.. وهذه العقاقير ستضمن للشركات المنتجة أرباحا خيالية كوننا لا نقضى "ثلث" حياتنا نياماً فقط ؛ بل ونعاني من ضيق الوقت ونتمنى لو زادت ساعات يومنا لأكثر من 24ساعة.. في اليوم !!