رفعت نتائج مؤشر كلفة المعيشة التي أعلنتها وزارة الاقتصاد والتخطيط حول زيادة معدلات التضخم السنوي إلى 6.47في المائة بسبب أسعار الإيجارات والمواد الغذائية، درجة المخاوف من المؤشرات المستقبلية للتضخم في السعودية، وسط تنبؤات بارتفاع هذه المعدلات إلى مستويات مقلقة خلال العام الجاري. وأطلق خبراء اقتصاديون التحذيرات من خطورة تجاهل هذه الأزمة التي تمثل تهديداً لنمو الاقتصاد ومعيشة المواطنين، مشددين على أن ازدياد أسعار الإيجارات والمواد الغذائية إلى هذه المستويات، بات يعني ضرورة تدخل الجهات الحكومية لسنّ تشريعات جديدة تساهم في كبح جماح معدلات التضخم المتنامية داخل البلاد. وشنّ مسؤول داخل مجلس الشورى، هجوماً لاذعاً على بعض الوزارات والأجهزة الحكومية، قائلاً: "لقد تراخت هذه الأجهزة في مواجهة الأزمات المتوقعة التي تؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم في البلاد . وقال عبدالرحمن الزامل الخبير الاقتصادي وعضو مجلس الشورى: "أزمة الإسكان هي أحد أهم القضايا التي ساهمت في إذكاء نار التضخم في السعودية.. أسعار العقارات ستبقى في ازدياد وليست هناك مؤشرات على انخفاضها ". وقال الزامل: "إذا واصلت الأجهزة الحكومية أسلوبها الحالي للتعامل مع أزمة الإسكان، فإننا نتوقع ارتفاعاً حادا في معدل الزيادة في الأسعار.. في الوقت الراهن بند الايجارات يستنزف من 30إلى 35في المائة من دخل الأفراد السعوديين.. ونهاية 2009سترتفع هذه النسبة إلى نحو 50في المائة ". وتابع الزامل الذي كان يتحدث ل "الرياض" عبر الهاتف: "نواجه ملف شائك ومخيف ونحتاج إلى جدية وتعامل مسؤول.. أولى التشريعات التي يجب سنهاّ لمنع ارتفاع تكاليف المساكن تتمثلّ في تحديد نسبة الزيادة السنوية في الإيجارات بحيث لا تتجاوز 5في المائة . وعن ما إذا كان مجلس الشورى قد أوصى بسنّ تشريع يحدد نسبة الزيادة السنوية في الإيجارات، قال الزامل: "الشورى لم يدرس أي مقترحات في هذا الخصوص..لقد اهتم المجلس بقضايا أخرى وأوصى بسرعة مواجهة هذه المشكلة وذلك عبر تنفيذ مساكن شعبية سريعة في كل المناطق من خلال هيئة الاسكان المنشأة حديثاً". غير أن الزامل ألمح إلى أن ندرة المعروض مقابل زيادة الطلب، لن تسمح لقرار تحديد نسبة الزيادة السنوية في أسعار الايجارات بالقدرة على السيطرة على جموح أسعار العقارات.. وأضاف: "يجب أن تسارع الحكومة أيضاً ببناء 500ألف شقة سكنية في أنحاء المملكة، وأن تقرّ الجهات المعنية نسبة الزيادة السنوية في أسعار الإيجارات ..إذا حدث هذا الأمر وهو ليس بالأمر الصعب فإن أسعار الإيجارات ستنخفض 30في المائة مقارنة بالأسعار الحالية". وحول الموانع التي تواجه الجهات المعنية في تحديد سقف لزيادة أسعار الايجارات، قال الزامل: "ليس هناك أي صعوبات.. ربما يكون لأصحاب المصالح دور رئيسي في منع أو تأخير سنّ مثل هذا التشريع". وزاد: "أسعار الإيجارات وصلت إلى أرقام عالية.. إذا كان ارتفاع تكاليف الإنشاءات يتسبب في رفع أسعار الإيجارات للمباني الجديدة، فإن حصول هذه الزيادة في المباني القديمة يعني وجود خلل واضح وغير مقبول". والزامل الذي وصف أزمة المساكن في السعودية بأنها "الأخطر"، يرى أن عدم تنظيم مساكن العاملين الأجانب في السعودية أحد أبرز الأسباب التي غذتّ نقص معروض الوحدات السكنية، مضيفاً: "إنها أزمة متشابكة.. ويجب أن تقرّ آليات جديدة تتضمن إسكان الأجانب في مجمعات سكنية مستقلة وترك الوحدات السكنية والشقق للمواطنين". في شأن متصل، قال عبدالرحمن الزامل الخبير الاقتصادي وعضو مجلس الشورى، إن ارتفاع تكاليف المعيشة في السعودية مع تضاعف أرقام السعوديين العاطلين عن العمل، ساهم في عدم قدرة بعض السعوديين على مجاراة ظروف الحياة اليومية. وأشار الزامل إلى توظيف السعوديين أمر في غاية الأهمية لمساندتهم شخصياً ومساندة عوائلهم على غلاء المعيشة الذي ضرب أسعار الايجارات والمواد الغذائية، متوقعاً ارتفاع عدد العاطلين عن العمل في نهاية هذا العام إلى نحو 600ألف عاطل . وتابع: "إنها أرقام مخيفة تستدعي معالجة مكامن الخلل وإجراء تغييرات هيكلية في النظم والتشريعات التي تسمح سنوياً باستقدام 1.200مليون عامل أجنبي للعمل في السعودية، في الوقت الذي يعاني فيه كثير من الشباب السعودي من البطالة ". وتطرق الزامل إلى قضايا التأمين الطبي على المواطنين، موضحاً أن تكلفة التطبيب الشهري على العائلة السعودية الواحدة تبلغ 500إلى 1000ريال في الشهر الواحد. وبينّ أن عدد الموظفين الأجانب المؤمن عليهم من قبل شركاتهم يصل إلى نحو 4ملايين عامل، مضيفاً: "التأمين الطبي مشكلة أخرى وأمر في غاية الأهميه لتخفيف الأعباء عن كاهل المواطنين . وقال اقتصادي بارز آخر: "ننتظر بفارغ الصبر إعلان الجهات المسئولة مثل مؤسسة النقد العربي السعودي ووزارة التجارة والصناعة، أي خطوات جديدة يمكنهم استخدامها لكبح معدلات التضخم المتنامية. وتابع: "لم نر حتى اللحظة أي خطوة جادة ومنظمة لمنع تزايد معدلات التضخم في البلاد.. تضخم أسعار الايجارات والمواد الغذائية أصبح بالغ الحدة والوقت حان لتدخل سريع في هذا الشأن". ودعا الخبير الاقتصادي الذي فضل عدم الإفصاح عن أسمه، الى ضرورة اتخاذ خطوات للحد من استشراء ظاهرة التضخم، معتبراً أن مستويات الأسعار التي وصلت اليها السلع، خاصة الغذائية والإيجارات، تدفع الى ضرورة سن تشريعات وقوانين جديدة للسيطرة على الاسعار. وعلى الرغم من التقارير المتزايدة التي تظهر ارتفاع التضخم داخل البلاد، إلا أن مسئولين في مؤسسة النقد العربي السعودي أكدوا أكثر من مرة أنهم غير قلقين بعد، خصوصا أن الاقتصاد السعودي يبدو قادرا على احتواء توقعات التضخم على المدى الطويل، كما يعتقدون أنها لن تؤثر على حركة الانتعاش الاقتصادي. وفي وقت سابق، قال ل "الرياض" الدكتور رجاء المرزوقي الخبير الاقتصادي والأستاذ بالمعهد الدبلوماسي بالرياض، إن التضخم في السعودية بوجه خاص ودول الخليج بشكل عام أصبح مثار قلق كبير، مضيفاً: "قد نرى معدلات تضخم عالية خلال السنوات القليلة القادمة من شأنها أن تقوضّ رفاه المجتمع وانخفاض الدخل الحقيقي للمواطنين". ويبدو أن مواصلة هبوط الدولار وزيادة معدلات التضخم في السعودية، ستزيد من الضغوط على مؤسسة النقد العربي السعودي لاتخاذ مواقف تدعم الريال وتساهم في كبح جماح التضخم.