في الماضي كنا نسمع أو نقرأ عن أزمات السير في بعض البلدان الكبيرة والمدن ذات الكثافة السكانية العالية، وكان بعضنا يفتح فمه دهشة عندما يسمع أن اجتياز مساحة 10كيلومترات أو أقل ربما يكلف ساعة من الوقت في مدينة كلندن أو بكين أو غيرهما من المدن الكبيرة، وكان مجرد سماعنا لمثل هذا الخبر أمراً يثير الاستغراب والاندهاش والشفقة على حال الناس المقيمين هناك، وكنا نقارن حياتنا في دول الخليج مع حياة الناس في تلك المدن المزدحمة، حتى أن بعضنا كان يقصد دولا أخرى بعيدة وغير مزدحمة إن هو اراد قضاء عطلته السنوية، ولكننا وللأسف وخلال السنوات الاخيرة أصبحنا في دول الخليج بشكل عام نعاني من هذه الأزمة بشكل خطير لا يستنزف أعصابنا فقط وإنما يشكل خطراً على الاقتصاد الوطني، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار هدر الوقت اليومي، وكذلك الوقود، واستهلاك المركبة، وما إلى هنالك من أمور أخرى لها كبير الأثر على الطاقة الانتاجية للانسان. إذ كيف يعقل أن يحافظ شخص على طاقته الانتاجية في عمله وهو يستنزف جل وقته في أزمات مرورية خانقة تضيع الوقت وتحرق الأعصاب، ولو حاولنا إلقاء نظرة سريعة على واقع الحال في الدول الخليجية فيما يتعلق بالإزمات المرورية الجديدة، لوجدنا أن أقل ما يقال في هذا الوضع بأنه مأزق حقيقي يحتاج إلى حلول سريعة غير قابلة للتأجيل. فإذا أخذنا المدن الكبيرة في دولنا الخليجية الأكثر ازدحاماً وهي مدينة دبي في الإمارات و مدينة الرياض في المملكة، لوجدنا أن هاتين المدينتين تعانيان من اكتظاظ سكاني كبير وأزمات مرورية خانقة على مدار معظم ساعات النهار، وذلك بسبب تزايد عدد المقيمين في هذه المدن لأسباب كثيرة قد يكون أبرزها الهجرة الداخلية لكلتا المدينتين، والعمالة الوافدة إليهما باستمرار، وما يقال عن دبيوالرياض يقال أيضاً عن الكثير من المدن الخليجية الأخرى التي أصبحت الحياة فيها غاية في الصعوبة بسبب الازمات المرورية التي لا ترحم أحداً أبداً. وقد يتساءل المرء عن السبب الكامن وراء انفجار هذه الأزمات المرورية الخانقة والمزعجة بشكل لافت خلال السنوات القليلة الماضية والوسائل الواجب اتباعها للتخلص من هذه الأزمات التي باتت تشكل عبئا حقيقياً على كل من يعيش في المدن الخليجية ونأخذ مثالاً على ذلك مدينة دبي المزدحمة دائماً نرى انه رغم الامكانات الهائلة التي تضعها الإمارة في مشاريع الطرق الضخمة والجسور الحديثة وغيرها، إلا أن الأزمات المرورية لا تزال هي السمة الأبرز لهذه المدينة، مما يدفعنا إلى الاعتقاد بأن معالجة هذه الأزمات لا يمكن أن تتم بدون البحث الحقيقي عن أسبابها ومعالجة المشكلة من الأساس وما يقال عن مدينة دبي ينطبق على مدينة الرياض وبعض المدن الخليجية الأخرى، فعلى سبيل المثال لا الحصر قد يحتاج المرء لإنفاق ربع نهاره على الطرق المزدحمة ولا سيما بين إمارتي دبي والشارقة في دولة الإمارات حيث يضطر الموظفون الذين يبدأون أعمالهم الساعة الثامنة صباحاً ان ينطلقوا من بيوتهم الخامسة فجراً إن هم أرادوا الوصول إلى أعمالهم في الوقت المحدد وتجنب الملاحظات التي قد تواجههم إن هم تأخروا على وظائفهم وهو أمر ينعكس بالتأكيد ليس على طاقاتهم بالعمل فقط، وإنما على حالاتهم النفسية وكذلك الاجتماعية أيضا مما يؤثر سلباً عليهم!. والحقيقة أننا لو حاولنا تلمس الأسباب الحقيقية في أزمات المرور الخانقة المستحدثة لوجدنا أن هناك أسبابا عديدة ومتشعبة وراء هذه الظاهرة الجديدة المزعجة على المجتمعات الخليجية وهذه الأسباب سنتناولها في هذه الزاوية الأسبوع القادم. @ المدير الإقليمي لمكتب دبي