وزير الإعلام اليمني: مشاريع ومبادرات «إعمار اليمن» تحقق أثرًا إيجابيًا مباشرًا وتدعم التنمية المستدامة    استقبله نائب أمير مكة.. رئيس التشيك يصل جدة    أمير القصيم يرعى حفل تكريم أهالي البكيرية لأبنائها الأوفياء    استشهاد 38 فلسطينيًا في سلسة غارات إسرائيلية على قطاع غزة    الأربعة أعوام الماضية ترفع نسبة التوطين بين الحرس الوطني والشركات إلى 100%    «الجوازات» تعاقب مخالفين ب19914 قراراً إدارياً    الذهب يواصل مكاسبه في العام الجديد مع ضعف الدولار وتوقعات الحذر لأسعار الفائدة    مجمع الملك سلمان العالمي للُّغة العربيَّة يُطلق معجم مصطلحات الخطوط الحديدية    أمانة الطائف تستقصي 155 موقعاً لمنع التكاثر الحشري    محافظ محايل يلتقي مدير عام فرع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية    وصول الطائرة الإغاثية السعودية الثالثة لمساعدة الشعب السوري    السلطة الفلسطينية توقف بث قناة الجزيرة    تشغيل مهبط طائرات الإخلاء الطبي ب«أملج العام»    «السوبر الإيطالي» ينطلق الليلة.. في الرياض    نائب أمير تبوك يستقبل مدير فرع وزارة الرياضة بالمنطقة    خطر ثلاثي يهدد الدماغ    5 عادات شائعة تُسرّع شيخوخة الدماغ    «العشة».. أول نقطة حدودية ترسم ملامح الأمن    مدير السجون يدشّن نظام الابتعاث الرقمي للمديرية    جامعة المجمعة للمطالبين ب«مكافأة الحاسب»: المنع من صلاحياتنا.. «أعضاء التدريس»: خالفتم المادة 52!    جسور الإنسانية إلى دمشق.. موقف سعودي ثابت في دعم الشعب السوري    حماية التوحيد منذ فجر التأسيس إلى العهد المجيد    قليل من الكلام    قلوب متحجِّرة    عامٌ جديد وصفحةٌ نخطُّ فيها العمل والبناء    أتلتيكو مدريد يستهدف التعاقد مع محترف الأهلي    «الفنون البصرية» تنظم معرض «سيرة ومسيرة» للراحل سعد العبيّد    حقوق مرافق المريض    برشلونة يسابق الزمن لتسجيل أولمو    أحسن إلى نفسك    الملك عبدالعزيز وفلسفة التوفيق    حديقة الحيوان بين التراث والحداثة    الهيئة الملكية لمحافظة العلا تطلق "موسم الحمضيات"    مقتل شخص وإصابة 7 إثر انفجار سيارة تسلا أمام برج ترمب    «الداخلية الكويتية»: القبض على متهم هارب صادر بحقه 11 حكماً بالحبس واجب النفاذ    أمانة جدة تُشعر أصحاب المباني الآيلة للسقوط    أبو منذر وباحويرث وبن سلمان يحتفلون بزواج محمد وطلال    "ضمان" العاصمة المقدسة يكرم كشافة الشباب    6200 دولار سعر شريحة خيار مخلل    5 مجمعات جديدة للاستثمار التعديني    أمين الرياض يطلق مشروعات تنموية في الدلم والحوطة والحريق    «الثقافة» تُطلق «هاكَاثون الحِرَف» ضمن مبادرة «عام الحِرَف اليدوية» 2025    لماذا تراجع الأخضر كثيراً ؟    حصاد رابطة أندية الدرجة الأولى للمحترفين في 2024    أمسية شعرية في ختام فعاليات «عام الإبل» في جدة    وزارة الثقافة تدشن مبادرة «عام الحرف اليدوية 2025»    «الملك سلمان للإغاثة» يحصد جائزة المؤسسات الصديقة للأسرة والطفولة    القيادة تهنئ رؤساء السودان وسويسرا وكوبا وسلوفاكيا    رسمياً .. النصر ينهي علاقته ب"سيكو فوفانا" واللاعب يرحل إلى "رين" الفرنسي    المملكة تنظم دورة للأئمة والخطباء في نيجيريا    يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل    الاقتصاد والطيران علاقة تكافلية!    صندوق تنمية الموارد: توظيف 169 ألف مواطن خلال 3 أشهر    جازان: نجاح أول عملية كي للعصب الكلوي    القصيم: إطلاق مبادرة «نقطة تواصل» لتبادل الخبرات الطبية    مستشفى القطيف يناقش أمراض الأطفال الشائعة    نائب أمير تبوك يستقبل مدير فرع وزارة الرياضة بالمنطقة    القيادة تعزي في وفاة كارتر وضحايا الطائرة الكورية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نحن جيل نغطي خرابنا بالاتزان والوقار
الشاعر الفلسطيني محمد لافي ل «ثقافة اليوم»:
نشر في الرياض يوم 23 - 12 - 2004

حين تلقاه تحسب أن فلسطين مقبلة عليك.. لا لشيء سوى أن فلسطين عالقة في ثيابه، بينما تُذكرك ملامحه بأطفال يتراكضون في طرق ترابية لمخيمات في الوطن العربي بينما أذرعه النحيلة تؤكد أن ثمة غيابا لأشياء كثيرة كانت جميلة جدا واختفت على حين غره، بينما رائحة تبغه الذي يبقى حريصا عليه تسبقه دائما لتؤكد مناخه المتميز. انه الشاعر محمد إبراهيم لافي. الذي حمل جسده النحيل وكراسة شعره وهاجر في العواصم العربية.
حول تجربته الشعرية كان لنا معه هذا الحوار :
٭كيف تحدد «فلسطين» شعريا؟
- بما أنني ولدت مسلوب الإرادة لم أملك حرية اختيار الزمن الذي ولدت فيه ولا حرية اختيار أبوي ولا الجنسية التي أنتمي إليها إلى آخر هذه القائمة من القسريات أجد الحق أن أدق باب الاعتراض والرفض بصرف النظر عن النتائج وبالقوة نفسها التي قذفت بها إلى هذا العالم دون إرادتي.! ولعل صرختي الأولى على راحة القابلة كانت الجرس الأول الذي حدد هوية هذا المولود المشاغب في عالم مصادر منذ البدء.
ثم جاءت طفولة المخيم لتجذر هذا الرفض فتفتحت عيناي على وطن مصادر و«بنطال» خاطته أمي من رف الخيمة لضمان عدم إهترائه بسرعة. تفتحت عيناي على طوابير العمال في قرية العوجا شمال أريحا المحتلة منذ العام 1967 وظهورهم تكتوي بسياط شمس الغور ونظرات وكلاء الإقطاعيين (من قبل شروق الشمس الى ما بعد العصر) كما ورد في إحدى قصائدي.
وهكذا تشكل الالتزام بهم الوطن والإنسان عفويا، نابعا من الداخل ليكون عجينة الروح والجسد، وليصبح قدري الذي لا فكاك منه والناظم لكل تفاصيل الحياة وجزئياتها، من أخطر حدث قد يصفعني به المذيع الكسول صباحا إلى جرعة الماء أو رشفة شاي عرضية في مقهى عرضي إلى مواء قطة ضالة في زاوية ما تقودني إليها ضلالتي، الأحداث الكبيرة هي المحرض الرئيسي لكتاباتي الشعرية، وهي التي استحضرت فلسطين في قصيدتي، والآن أصبحت أصغر تفاصيل الحياة وربما أكثرها هامشية في نظر الآخرين محرضا لكتابة الوطن في قصيدتي بقدر ما تبدو بعيدة عنه بقدر ما تكون لصيقة به هكذا بهدوء ودونما صراخ. بمعنى أوضح تسللت فلسطين إلى أدق خصوصياتي. انفرشت في التفاصيل كما ينفرش الدم في كافة تفاصيل الجسد مجسدة الرفض العفوي الذي عمدني منذ ولادتي القسرية في عالم قسري!..
وهكذا كنت أتأثر بالأحداث اليومية العرضية لتدفعني إلى كتابة الوطن شعريا، قافزا عن هذه الأحداث إلى العناوين الكبيرة. وما حاولته لاحقا هو الإمساك بهذه التفاصيل وكتابتها لتوصلني عبر كتابتها شعريا إلى عنوان الوطن العريض، إنها السواقي التي لا تصل إلى النهر.
٭ يشاع أنك «شاعر صعلوك» وهنا أطرح الصعلكة كموقف إيجابي من عالم قبيح يوهمنا بأنه متزن ووقور فهل أنت شاعر صعلوك؟؟
- بهذا المعنى نعم، فأنا أحس في كل لحظة أنني ابن غير شرعي لهذه المرحلة. أحس أن أمي ولدتني خطأ في زمن ليس زمني. وإلا فما معنى هذا الخراب الشامل الذي يلف جميع مناحي حياتنا. من السياسي إلى الاجتماعي إلى آخر نقطة في ضواحي الثقافي. باختصار نحن جيل نغطي خرابنا بالاتزان والوقار ونلعب دور النعامة التي تدفن رأسها بالرمال. وصحيح أنني كسرت كل شئ لكنني ربحت نفسي وأسعى جاهدا الى أن أربح قصيدتي.. ومع هذا أشعر أن اعتراضي أو صعلكتي كما أحببت أن تنعتها.. ما تزال ناقصة، هنالك حواجز لا أملك الجرأة حتى الآن على تخطيها، فأنا والحال هذه مشروع صعلوك يحاول أن يحذف الرقيب داخله ليجلس عاريا في منتصف الطريق معريا الآخرين قبالته.
٭ تجربتك الشعرية تولدت وتطورت في عواصم عربية، فما الذي فعلته بك الرحلة؟
- قبل مغادرتي عمان آخر عام 1979 كتبت بغزارة نسبيا فخلال ثلاثة أعوام نشرت لي مجموعتان شعريتان، ورحلت مخلفا ورائي مجموعة من القصائد كتبتها ما بين العامين 76 - 79 وتعادل المجموعتين المنشورتين من حيث الكم وتركتها لدى الصديق الراحل القاص عدنان علي خالد، ولعل مرد هذه الغزارة (النسبية) هو غياب الناقد داخلي وقياس قامتي الشعرية بقامات نظرائي في الساحة المحلية آنذاك. هذا أولا وثانيا كانت قصائدي نتاجا احتفاليا بحدث الثورة الفلسطينية المعاصرة ووهجها واحتفالاً بالبندقية وظاهرة الفداء شأنها شأن القصيدة الفلسطينية أي أنها قصيدة تسبح على سطح موضوعها في أكثر الحالات دون الغوص في العمق،واصطياد اللؤلؤ من هنالك.
المنفى أو الترحال الدائم غير مفهومي للقصيدة ورؤيتي لها، خاصة وأنا داخل المشهد النضالي الفلسطيني وعلى رصيفه في آن!! بدأت أتساءل أين هي قصيدة القاع «الفلسطيني» في سياق هذا الحبل الجرار من القصائد الطافية على السطح؟ أين هي القصيدة المغايرة لهذا السيل من النتاج الذي يتناول الوطن كفكرة مجردة دون الغوص في تفاصيل المعاناة اليومية لناس الوطن؟ صحيح أننا شهدنا قبل حصار بيروت بعام ولادة جماعة الرصيف لكنه رصيف ناقص - ظاهرة ناقصة على مستوى الشعر - بمعنى أنها لم تسجل إبداعا شعريا مخالفا للسائد وكل ما فعلته هذه الجماعة على مستوى القصيدة إعادة إنتاج التقليعات التي طفت على سطح الفراغ الثقافي في أكثر من قطر عربي تقليدا للتقليعات الثقافية الغربية «كالقصيدة المائية» أو «المغناطيسية».
٭ في قصائدك يلاحظ اقتناصك «الحادثة القصصية» إلى أي حد هذا الطرح صحيح؟
- ثمة ملامسة للحادثة القصصية وتوظيف ما يمكن أن يكون نموذجا أي اقتناص ما يصلح للنمذجة في الواقعة الفردية خاصة في القصائد المكثفة وهو شكل تعبيري مكرس لخدمة الفكرة في العام أي في الهم العام والترميز لها. خذ مثلا قصيدة الفتاة الأولى وهي ضمن قصائد قصيرة تحت عنوان خطوط الطول - خطوط العرض، طريق الى المقهى، وهي مكرسة للهم العام الفلسطيني:
من أعطتني كلمتها يوما
من حاولت الرقص بعيدا خارج ساح
الإصغاء
أمس مصادفة مرت في الشارع مثقلة
الخطو
تجر خراب العمر
ودزينة أولاد
فإذا قرأت هذا المقطع من القصيدة مقترنا بسابقه وهو في الهم العام لاحظت إلى أي حد ارتفعت الواقعة الفردية إلى مستوى النموذج. والى أي حد نهض الشكل التعبيري شبه القصصي بالفكرة وساعد على إيضاحها مزاوجا بين الخاص والعام.
٭قصيدتك ترتبط بالمشهد الشعري أو ما يسمى بالومضة ما سر هذا التوجه؟
- بداءة كنت أكتب المطولات الشعرية، وكنت راضيا عما أكتب إلى حد ما. خاصة وأنني كنت أنظر إلى المشهد النضالي الفلسطيني من الخارج وعندما أصبحت في قلب المشهد تبين لي خطل الاحتفالية الشعرية مأزق القصيدة الفلسطينية الذي هو جزء من مأزق القصيدة العربية الملتزمة، حيث الركض وراء فكرة تمجيد الوطن وأخذه كفكرة مجردة.والركض وراء العناوين الكبيرة دون أدنى خصوصية يمكن التقاطها من الحياة اليومية المعاشة. وهكذا وقفت أمام سؤال التحدي: إذا لم تستطع أن تعبر عن تجربتك أولا فكيف تستطيع التعبير عن تجارب الآخرين؟ عندها بدأت أتحول إلى القصيدة «اليومية» أو «البرقية» أو «الشفوية» سمها كما شئت تلك القصيدة التي تملك جدالية الخاص والعام معا وهو تحول عفوي أولا ثم عن قصد ثانيا، وذلك بعد نضج الأسئلة. ومرة ثانية وجدتني أدون وقائع ولحظات لتتسع لها المطولة ذات العنوان الكبير.
إن القصيدة «البرقية» كما أراها، خاصة إذا كان التزام صاحبها عفويا نابعا من الذات، هي درج الوصل إلى العام وهي أكثر غنى وبما لا يقاس من القصيدة المطولة التي تعالج الموضوع السياسي الساخن مباشرة، وبأقل قدر ممكن من الكلمات إنها القصيدة المصفاة، من نافل القول. تعطيك الجوهر دفعة واحدة دونما دوران وتحملك من تثاؤبك وكسلك لتضعك في قلب الدهشة مباشرة. إنها القصيدة الصعبة على مستوى الشكل والمضمون ولا تأتي إلا بعد دراية طويلة ومحاصرة تكاد تكون يومية للحالة الشعرية (وما نقرأه الآن للأسف على أنه قصيدة البرقية أو القصيدة المكثفة لا يمت إلى الشعر بصلة.إنها توقيعات أو سجع الماضي الفاضل.)
٭ أخيرا إلى أين يريد محمد لافي أن يصل بالشعر؟؟
- عطفا على ما سبق أريد قصيدة التفاصيل. أريد الحالة التي يتحول معها الشعر إلى دفتر مذكرات يومية. شعر يقرع أجراس الجرأة والفضائحية باستمرار ليكون إدانتنا الدامغة لهذا الزمن الذي نعيش. وسجل براءتنا أمام أجيال قادمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.