فوجئت كتيبة بلاك ووتش البريطانية العاملة في مناطق جنوب العراق الهادئة نسبياً بأنها في حاجة إلى خوذات عوضا عن قبعات مستديرة ومسطحة ولينة أنيقة المظهر عندما وصلت إلى هذا المعسكر الكائن جنوب بغداد وفي الحقيقة فقد تلاشى ذلك التصور الواهم عن ليونة وتساهل القوات البريطانية حالما وصلت تلك القوات في صباح الأول من نوفمبر الماضي إلى المنطقة القريبة من العراق حيث لم ينتظر جنود الكتيبة الاسكوتلندية كثيرا لتحديد ما اذا كان سائق سيارة اندفعت مسرعة في اتجاه نقطة تفتيش بريطانية انتحاري ام مجرد سائق عيل صبره من بطء الحركة المرورية فقد اردوه قتيلا في الحال بعد أن أطلق نيران أسلحته على نقطة التفتيش. وتركت الصور المتناقضة عن قوات التحالف في وسائل الاعلام انطباعا في العالم بان القوات الامريكية تتوق لسحق عناصر المقاومة العراقية بالقوة بينما اختارت القوات البريطانية تكييف وضعها بالحسنى بدلا من استخدام العنف مما أعطى بدوره شعورا بان القوات البريطانية افضل تدريبا واعدادا في مواجهة مثل هذه الأوضاع بالمقارنة مع القوات الأمريكية. وأتاح تحرك كتيبة بلاك ووتش صوب شمال العراق التي يغلب سكانها العراقيين السنة الفرصة الأولى للمقارنة بين الوسائل والخطط العسكرية المختلفة لقوات البلدين وهم يواجهون نفس المستوى من الخطر. وكانت قوات بلاك ووتش وحتى وقت تحركها صوب الشمال تعمل على انفراد في جنوب العراق حيث لم يرق مستوى العنف مطلقا لمستوى المخاطر الذي تواجهه القوات الأمريكية في المنطقة حول بغداد حيث سمحت الأحوال الهادئة نسبيا في الجنوب للجنود البريطايين بتبني اسلوب أكثر ليونة ولطف خلال قيامها بأعمال الدورية حيث اعتادوا ارتداء القبعات اللينة والمستديرة بدلا من الخوذات الحربية كما اعتادوا على ابقاء أسلحتهم منكسة وغير مصوبة تجاه العراقيين ولكن في وضع استرخاء يطمئن النفوس على عدم العدوانية. وللمقارنة بين الطريقة العدوانية القاسية للقوات الامريكية والأقل عدوانية للقوات البريطانية انتشرت دعابات متنوعة في مدينة البصرة تقول احداها إن قصد الامريكيين لكسب قلوب وعقول العراقيين يعني في الحقيقة تسديد طلقة إلى القلب وأخرى إلى الرأس. وحاولت كتيبة بلاك ووتش جلب تلك الثقافة العسكرية اللينة والمتساهلة معها إلى شمال العراق عندما امتزجت قواتها مع فرقة مشاة البحرية الأمريكية المتمركزة في جنوب بغداد في عمليات مشتركة خلال اعادة انتشار القوات البريطانية والتي انتهت يوم السبت الماضي. وقد بدأت قوات بلاك ووتش اعمالها الدورية بتوزيع منشورات باللغة العربية توضح بانهم اسكوتلنديين حتى لا يخلط العراقيون بينهم وبين الامريكيين وزعمهم ايضا في المنشورات بانهم جاءوا فقط للمساعدة في ايجاد عراق آمن وحر. غير أن عناصر المقاومة العراقية ردت على ذلك الادعاء بتفجير سيارتين ملغومتين وزرع قنابل على قارعة الطرق أسفرت عن مقتل اربعة جنود بريطانيين واصابة اثنين آخرين بجراح خطيرة. ووقعت حادثة اطلاق النار على سائق السيارة العراقي في نقطة التفتيش البريطانية بعد ساعة واحدة فقط من بتر انفجار السيارة الملغومة الثانية لأرجل اثنين من جنود فوج بلاك ووتش.. وقال الكابتن في قوات البلاك ووتش استوارت مكولاي اثناء تمترسه في احدى الخنادق في معسكر دوغوود« ان التهديد هنا يختلف تماما مما نواجهه في مدينة البصرة »واضاف الكابتن مكولاي قائلا انه بعد الانفجار الأول اتجه لتوه الى جندي امريكي واضعا يديه على رأسه لهول ما شاهد ومعترفا له بانه كان أحد الذين يجلسون مطمئنين في البصرة وينتقدون طريقة اداء القوات الامريكية في هذه المنطقة. واعتاد النقاد وصف القوات الامريكية بانها غير قادرة أو غير راغبة في فهم واستيعاب تعقيدات البلد الذي جاؤا لغزوه واتهامهم بان لديهم ثقافة كاره للأجانب وكذلك وصف القوات البريطانية بانهم من امبراطورية غربت عنها الشمس أظهرت عدم مقدرة جنودها في قمع الثورات والانتفاضات وبصفة خاصة في حربها التي استمرت ثلاثين عاما مع الجيش الجمهوري الايرلندي في ايرلندا الشمالية والتي علمتهم ان الانتفاضات المسلحة لن يمكن قهرها بالقوة فقط وان مثل هذه الطريقة مصيرها الفشل. ويقول أحد القادة العسكريين البريطانيين في العراق انه في حقيقة الأمر فان الناس في العراق لا يرغبون في بقائهم في بلادهم وأن عناصر المقاومة العراقية لا تفرق بين كافة القوات الأجنبية في العراق سواء أولئك الذين يرتدون قبعات أو الذين يرتدون خوذات قتالية حيث إن الجميع بالنسبة للعراقيين هم نفس العدو. «لوس انجلوس تايمز»