إن كل شخص له مكوناته النفسية، وبناءاته الذاتية، وتصوراته الفكرية، وخياراته الأحادية التي يؤسس عليها قناعاته ومحصلته النهائية، فالبعض يواصل مسيرته في تقمصه دورًا واحدًا يلعب في كل حالاته فيبقى ضئيلًا محبوسًا، وغيره يقع في فخ يجدون أنفسهم في أدوار متعددة وقد يكون مستوى إنجازهم الفعلي أقل من إمكانياتهم أو العكس.. في الأثر فيما معناه جاء ذكر أولئك الذين كان حسابهم شديداً فُذكِر الذي يعطي ليقال عنه إنه جواد كريم، والمقاتل الذي أراد يوصف بأنه جريء شجاع، وذلك الذي تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن ليقال عنه عالم، أولئك مارسوا أدواراً بنوايا باطنة مختلفة عما أظهروه للآخرين وحاولوا أن يستقطبوا ويستميلوا اتجاهات الآخرين وانطباعاتهم حول ما كانوا يفعلون بنفس وحدود المعنى والاعتقاد الذي أرادوا حمل الناس عليه. يقول شكسبير: يمثل المرء في زمانه أدواراً عديدة، ويذكر غوفمان -خبير النفس الاجتماعي في نظريته العرض الذاتي أو ما تم تسميته بإدارة الانطباع- أن الفرد يتبنى مجموعة من السلوكيات لكي يتفاعل مع الآخرين من أجل التحكم في الانطباعات التي يمكن أن يثيرها مع هؤلاء الأشخاص. ووفقًا لتعريف عام اتخذه العديد من المؤلفين، تشير "إدارة الانطباع" إلى العملية التي يحاول الفرد من خلالها التحكم في ردود أفعال الأشخاص الذين يتحاور معهم أو التلاعب بها لتقديم صورة عن نفسه تتوافق مع أهدافه ونواياه. إدارة الانطباعات هي أيضاً محاولة واعية أو غير واعية للتحكم في الصورة التي يعرضها المرء لنفسه على الآخرين أثناء التفاعلات الاجتماعية الحقيقية أو المتخيلة. تلك مؤشرات أن الإنسان يعيش في حالات معقدة عندما يتواصل ويتعاطى مع الغير لذلك فمدركات الفرد قد تكون قاصرة في وعيه بما يحيطه من تفاعلات وتستثير الرغبات وتسوقه الحاجات، فهو يتدلى بقناعات مختلطة ويتنقل من حال إلى حال شعر بذلك أم لم يشعر. الواقع أن كل أحد منا يصل إلى مرحلة الانتقاء بين عدة خيارات متاحة يبحث عن استرضاء ذاته واستقرارها وفي أبسط الأمور صار التكلف يغلّفنا بكثير من التعقيدات ويضعف من طاقتنا. فلو تأملنا فقط أن الحديث مع الآخرين يحتاج جُهدًا لم نعد نطيقه أحيانًا، وصار يصعب علينا تقبل أن بعض البشر سيحتلون قيمة في دواخلنا دون أن يكون لهم مكان في حياتنا، كما بمجرد تجاوزنا سناً معينة، تصبح الحياة مجرد عملية دائبة متعجلة ممتلئة بالمتغيرات، فما بين أخذ وعطاء، وذهاب وإياب، واجتماع وفقدان متواصل، وتشعر أن الأشياء التي تفرح بها كأنها تنزلق من بين أصابع يديك. أدوار ومواقف تعترك النفس وتغير على الفكر وتشتت الأنفاس وتبعثر الأوراق ما بين صالح وطالح، وتصادم نوايا، واتقاد أهواء، فذلك يقوم بدور المصلح وهو أكثر إفساداً، وذاك يمارس الباطل باسم الحق، وهذا ينفرد بنفسه ومصلحته، وذلك ينطق بلغة التضليل ليرشدنا، وذاك يحاول الهروب من نوازع ذاته عبر التظاهر بأضدادها، وذلك يفشل وهو يقدم نفسه ناجحاً. وتبقى الحقيقة أن كل شخص له مكوناته النفسية، وبناءاته الذاتية، وتصوراته الفكرية، وخياراته الأحادية التي يؤسس عليها قناعاته ومحصلته النهائية، فالبعض يواصل مسيرته في تقمصه دورًا واحدًا يلعب في كل حالاته فيبقى ضئيلًا محبوسًا، وغيره يقع في فخ يجدون أنفسهم في أدوار متعددة وقد يكون مستوى إنجازهم الفعلي أقل من إمكانياتهم أو العكس. الهروب من تقمص الأدوار ليس إلا فخًا نفسيًا يعيقنا عن إبراز حقيقتنا كما نحن بل يعبث في نوايانا عن الفعل القويم. تجاربنا السابقة مليئة بالتحديات والانتكاسات، ربما انتُقدنا بشدة أو شعرنا بأننا لا نستحق أو نستحق ما نلاقي وتكويننا النفسي يلعب دورًا محوريًا في تشكيل استجاباتنا في مواجهة المواقف وتفاعلاتنا مع الآخر، ومن المهم أن نشحذ أدوات التقييم الواقعي للذات ونكون منصفين في تقدير قدراتنا وتحديد نوايانا وألا نسمح بأن نعرض ذاتنا بتغيير ماهيتنا و هويتنا. ويبقى القول: التمايل والتظاهر الكاذب جزء من عرض الذات وإدارة انطباع الآخر عنا ومحاولة لاستمالة عواطف الغير بطريقة خادعة تدل على خواء ذاتنا من القيم إن نحن مارسنا تمثيلية ما.