في الدورة التقليدية لمفهوم الحب تسير الأمور بشكل نمطي مكرر عبر الأجيال، يبدأ الواحد منا بالبحث عن الشريك الأفضل، بعد إحصاء عدد إيجابياته وسلبياته حسب المعايير الاستهلاكية لدى الأغلبية، ثم يتم الزواج وإنجاب الأطفال، ومع مرور الوقت تتزايد احتمالات انخفاض الانسجام، لا سيما في حال افتقاد النيات الواعية والصحبة الروحية بين الشريكين، وفي غياب بعد استثمارهم في العمق الداخلي لكل منهما. إن الناس اليوم مستغرقون في الشكوك حول جودة علاقاتهم وتزداد التساؤلات بخصوص (هل وجدت الشريك المناسب)؟ حيث يستشري في ثقافتنا ذلك الاعتقاد بأن شخصا ما هناك في الخارج سوف يأتي ليعطي أو يمنح شيئا ما ليس بداخلك مسبقا، رغم أن قوانين العدل الرباني تنص على أن كل نفس رهينة ما كسبت او ما ستستقبله، وأن الكون يسير حسب قانون الانعكاس، وأننا لا نختبر شيئا بعيدا عما نشعه أو نعكسه، فالأمر كله مرتبط بطبيعة النيات الداخلية وعليها يدور الأمر. في البداية يبدو المفهوم قاسيا وصادما، ولكن مع الانفتاح الناضج لرؤيته من زاوية الحكمة الربانية فسنبدأ في استيعاب خزائن الرحمة الكامنة بداخله، حيث يمنحنا الايمان به مساحات هائلة من القرار الذاتي والسيطرة الشخصية، وامتلاك العصا السحرية القادرة على تحويل كل شيء في حال تجدد النيات وتحرير المخاوف وتنظيف الدوافع. كلما تجذرت الجذور ازدهرت الشجرة، وكلما تعمقت النيات قويت العلاقات، والسكن الشعوري بين الزوجين هو نتاج حسابات المودة والرحمة، بعيدا عن مفاهيم الإبهار التسويقي، والشخص الذي ينتظرك دائما هو انعكاس لذاتك الحالية، فبعضهم يشعر بنقص في الوفاء ويأمل ان يجده عند امرأة ما، وإحداهن تشعر بنقص في القوة الذاتية وتتطلع لأن يأتيها رجل قوي، ولكن هل يستطيع الخارجي ان يملأ فراغ الداخل؟. ربما ننخدع في وهم البدايات الذي سيتلاشى تأثيره مع الوقت، فنحن لا نستطيع الحصول على الحب أكثر مما نحن مستعدون لاستقباله، ولن نمنح اكثر مما منحناه لحب ذواتنا، ولن تفلح نيات الخوف والهلع في إزهار أي علاقات مثمرة، وأن سبب توقف الحب من المصادر الخارجية هو أننا لم نفتح صناديقنا المغلقة بل غلفناها فقط، ومهما انتظرنا وجربنا ستتكرر نفس الحكاية، حتى نقتنع بأنه حين يتحرر داخلنا سوف تثمر قصة الحب الأجمل لنا.