تُعد محاولة البقاء في حالة مزاجية جيدة في كلّ الظروف الحياتية القاسية محاولة بائسة، ونوعاً من أنواع الجهد النفسي والبدني والاجتماعي، فنحن جميعنا ندرك أهمية الفكر الإيجابي وأهمية التعاطي مع المواقف الصعبة بهدوء وحب، ولكن التمسك بعقلية إيجابية في كل المواقف الصعبة يضع الإنسان في صراع شديد، وعراك غير متكافئ، ويجعله في مواجهة غير عادلة مع الظروف القاسية، فنحن وبطبيعة الحال نتعرض للكثير من الضغوط والتقلبات الحياتية الصعبة، سواء على الصعيد الصحي، أو الأسري، أو الاجتماعي، أو المهني، أو العاطفي، والمفترض أن نتفاعل معها ونعطيها حقها من الغضب، والحزن، والرفض. ولكن إنكار هذه المشاعر السلبية ومقاومتها بشعارات الإيجابية الوهمية ليس إلا إهداراً للصحة النفسية والجسدية، كما يترتب عليه إنشاء حاجز صلب بيننا وبين أنفسنا، وبيننا وبين الآخرين، حاجز نفقد من خلاله التواصل، لأننا بكل بساطة نرتدي قناعاً إيجابياً معتقدين من خلاله أننا نحافظ على أنفسنا وعلى قوتنا، ولكن في الواقع أن هذا يسبب خللاً شديداً في مشاعرنا ورغباتنا التي قمنا بإقصائها بدوافع الإيجابية والتفاؤل، حيث إن ارتداء تلك المشاعر المستعارة، وتجاهل العواطف المؤذية وقمعها يجعلها تتراكم داخل الروح، فتبدو قلوبنا كَتلة من الشوك التي تعلوها تلة من الورد، خارجها صالح وداخلها تالف، فتلك التراكمات السامة كفيلة بأن تسبب لنا الضغوط العصبية الخفية، والاضطرابات الفسيولوجية، بل إنها تضعنا في مأزق الإيجابية السامة التي نحارب فيها لنبدو مبتهجين وسعداء ومتفائلين، فهوس التفكير الإيجابي أصبح يسيطر على الناس، لأنهم يعتقدون أنه الطريق التام والسوي، أيضًا تفاعلهم مع التكرار المبتذل والقمعي من الآخرين مثل (كن إيجابياً) و(لا تتذمر) و(خليك ممتن) و(ما فيك شي) وغيرها من العبارات التي تصادر حق الإنسان في التعايش مع جميع ظروفه، أنا لا أقلل من أهمية الإيجابية والبهجة، بل أدعو إلى الاتزان والتحرر من دائرة التعاسة والمواقف المؤذية، وإعطاء الأشياء مسمياتها، وتوجيه المشاعر إلى مساراتها الصحيحة، وعدم إنكار المشاعر السلبية، بل الاعتراف بها وتقبلها وعيشها وتجاوزها، فالحياة ليست مثالية، وقوانين الأرض تدحرجنا ما بين السلب والإيجاب، وما بين التفاؤل والتشاؤم، وذلك استنادًا للظروف والمواقف والحكايات المختلفة، والتي لابد أن نعيشها بكل أحوالها، لأن التفاعل مع تلك الظروف باختلافها يحقق التوازن الكوني والداخلي والنفسي، فهو يسمح لنا بأن نعيش جميع المشاعر الإنسانية دون التجرد من أحدها، أو ارتداء أقنعة مزيفة تقودنا إلى أحاسيس أيضًا مزيفة نحن لا نملكها، الحياة تتطلب إدارة جيدة للمشاعر وذلك حتى لا نقع في فخ الإيجابية السامة.