بدأت قصة المملكة العربية السعودية مع قطاع الفضاء وعلومه منذ وقت مبكر، وتم لأجل ذلك إنشاء المركز الوطني العربي السعودي للعلوم والتقنية عام 1977م ليضطلع بدوره في إجراء البحوث العلمية التطبيقية لخدمة التنمية والتطور، بعدها تحول مسمى المركز بمرسوم ملكي صدر عام 1985م إلى مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية. وبعد انطلاق رحلة الفضاء الأمريكية ديسكفري عام 1985م حققت المملكة من هذه الرحلة العديد من الإنجازات العلمية في ذلك المجال، ومنها: صعود صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز على متن ديسكفري كأول رائد فضاء عربي، واستمر ذلك الاهتمام مع إطلاق رؤية 2030 وصولاً إلى أمر خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله-، بإنشاء وكالة الفضاء السعودية لتكون الجهة الوطنية المسؤولة عن تطوير القطاع وتوجيه الجهود بما يحقق للمملكة الريادة والمكانة الدولية التي تستحقها. وعملت مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية «كاكست» على النهوض بهذا القطاع الحيوي ومنه رسم خطة نقل وتوطين تقنية الأقمار الصناعية عام 1988م عندما التحق بالمركز الوطني لتقنية الأقمار الصناعية مجموعة كبيرة من المختصين في مجالات وأقسام هندسية مختلفة تشمل الميكانيكا والكهرباء والإلكترونيات والتحكم والضوئيات والبرمجيات وغيرها. وما بين أعوام 2000م - 2019م تمكنت المملكة من إطلاق 16 قمرًا صناعيًا سعوديًا إلى الفضاء بإشراف المدينة وسُجل آخرها القمر السعودي للاتصالات «SGS1» الذي أطلِق في 6 فبراير 2019 حاملًا توقيع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-، والذي كتب عليه عبارة «فوق هام السحب». ويعمل القمر السعودي (SGS1) على خدمة قطاع الاتصالات الفضائية الحديثة المتعددة التي تشمل اتصالات النطاق العريض والاتصالات العسكرية الآمنة، وتوفير الاتصالات للمناطق شبه النائية والمناطق المنكوبة لاستخدامها في شتى مجالات التنمية. «وكالة الفضاء» تعد وكالة الفضاء السعودية هي الجهة الحكومية المسؤولة عن تطوير قطاع الفضاء في المملكة العربية السعودية. وتأسست في البداية تحت اسم "الهيئة السعودية للفضاء" بموجب الأمر الملكي رقم (أ/147) بتاريخ 20 ربيع الآخر 1440ه (27 ديسمبر 2018م)، ثم تحولت إلى وكالة باسم "وكالة الفضاء السعودية" بقرار من مجلس الوزراء في 24 ذو القعدة 1444ه (13 يونيو 2023م). والمهام والأهداف التي تضطلع بها الوكالة مسؤولية التخطيط ووضع السياسات والبرامج المتعلقة بالفضاء، وتنظيم وتطوير كل ما يتعلق بالأقمار الصناعية، والمركبات الفضائية، والبعثات الاستكشافية، بالإضافة إلى تعزيز الأمن الفضائي برصد المخاطر الفضائية. كما تسعى إلى تنمية الكوادر الوطنية في مجال علوم الفضاء، والتعاون مع الجهات الحكومية والهيئات المماثلة في الدول الأخرى، وتمثيل المملكة في المحافل الدولية. وأطلقت الوكالة عدداً من البرامج والمبادرات لتعزيز قطاع الفضاء في المملكة ومنها: برنامج المملكة لرواد الفضاء الذي يهدف إلى تدريب وإرسال رواد فضاء سعوديين للمشاركة في مهمات فضائية. وفي 21 مايو 2023، أُطلقت مهمة تاريخية ضمت رائدي الفضاء السعوديين علي القرني وريانة برناوي إلى محطة الفضاء الدولية، حيث أصبحت برناوي أول امرأة سعودية تصل إلى الفضاء. وتهتم الوكالة بالنشء فأحدثت برنامج أجيال الفضاء الذي يركز على تنمية المهارات والاهتمام بعلوم الفضاء بين الشباب السعودي. وهناك البرنامج التدريبي Space 101 الذي يقدم تدريبًا أساسيًا في علوم وتكنولوجيا الفضاء للمبتدئين. مكانة وإنجازات وحققت وكالة الفضاء السعودية منذ تأسيسها العديد من الإنجازات التي عززت مكانة المملكة في قطاع الفضاء على المستويين الإقليمي والدولي. ومن أبرز هذه الإنجازات إطلاق الأقمار الصناعية ومنها: سعودي سات 5A و5B: في 7 ديسمبر 2018، وأطلقت المملكة هذين القمرين الصناعيين من قاعدة جيوغوان في الصين، بهدف توفير صور عالية الدقة لدعم التخطيط العمراني ورصد التغيرات على سطح الأرض. وسعودي جيوسات-1 / هيلاس سات-4: في 5 فبراير 2019، تم إطلاق هذا القمر الصناعي بالتعاون مع شركة "لوكهيد مارتن"، لتوفير خدمات الاتصالات في مناطق الشرق الأوسط وأوروبا وجنوب أفريقيا. وكفي مجال الرحلات الفضائية المأهولة ففي مايو 2023، أرسلت المملكة رائدي الفضاء السعوديين ريانة برناوي وعلي القرني إلى محطة الفضاء الدولية، حيث أصبحت برناوي أول امرأة سعودية تصل إلى الفضاء. ومن المبادرات والمسابقات مبادرة "مداك": تهدف إلى تعزيز الابتكار والإبداع في تقنيات الفضاء لدى الطلاب في العالم العربي، وشارك فيها أكثر من 80,000 طالب من 22 دولة عربية. ومسابقة "أبعاد" للتصوير الفلكي: استقطبت أكثر من 8,000 مشارك، مما يعكس الاهتمام المتزايد بعلوم الفلك والفضاء في المنطقة. وحول التعاون الدولي ففي يوليو 2024، وقّعت الوكالة اتفاقية تعاون مع وكالة ناسا لتعزيز البحث والاستكشاف المدني في مجال الفضاء، مما يعكس التزام المملكة بتطوير قطاع الفضاء من خلال الشراكات الدولية، وفي أبريل 2024، أعلنت المملكة عن افتتاح "مركز مستقبل الفضاء" بالتعاون مع المنتدى الاقتصادي العالمي، بهدف تعزيز التعاون وتبادل الخبرات في مجال اقتصاد الفضاء العالمي. وفيما يختص بتطوير البنية التحتية فقد أنشئ مركز تصميم مهام الفضاء، وتم إنشاؤه لدعم وتنفيذ المهام الفضائية بقدرات وطنية، ليعزز استقلالية المملكة في هذا المجال. وتُبرز هذه الإنجازات التزام المملكة العربية السعودية بتطوير قطاع الفضاء وتعزيز مكانتها كدولة رائدة في هذا المجال. برامج ومبادرات استراتيجية وقد حققت كالة الفضاء السعودية العام الماضي 2024 إنجازات كبرى ومبادرات نوعية، وتحولا لافتا في مسيرة وكالة الفضاء السعودية؛ حيث سجلت الوكالة سلسلة من الإنجازات التي أسهمت في تعزيز مكانة المملكة الريادية في مجال الفضاء على المستويين الإقليمي والدولي، وذلك من خلال ابتكارها برامج ومبادرات استراتيجية تعزز دورها كمحفز رئيس للابتكار في علوم الفضاء. ويأتي في مقدمة إنجازاتها خلال العام المنصرم تنظيمها ل «مؤتمر الحطام الفضائي» والذي جمع 260 خبيرا يمثلون 50 دولة لمناقشة التحديات المرتبطة بالحطام الفضائي، وتقديم حلول مبتكرة للحفاظ على البيئة الفضائية، وضمان استدامة الأنشطة الفضائية المستقبلية، إضافة إلى تدشينها «مركز مستقبل الفضاء» والذي يمثل منصة عالمية هادفة إلى تحقيق رؤية المملكة في استدامة الفضاء، إذ يعد المركز بمثابة نقطة انطلاق للعديد من المبادرات التي تسعى إلى تطوير حلول فضائية مستدامة تواكب التحديات المستقبلية، كما أطلقت الوكالة من مسابقتها «الفضاء مداك» والتي هدفت إلى تعزيز وتنمية المهارات والقدرات لدى الطلبة في العالم العربي وتشجيعهم على استكشاف عجائب الفضاء؛ وشهدت المسابقة الأولى من نوعها على مستوى المنطقة مشاركة أكثر من 80 ألف مبدعا وموهوبا من 22 دولة عربية، الأمر الذي عكس بجلاء الاهتمام المتزايد بمجالات الفضاء وعلومه في المنطقة، والدور الريادي للمملكة على الصعيدين العربي والإقليمي، وعبر مسابقتها التالية «أبعاد» للتصوير الفلكي تمكنت الوكالة من جمع أكثر من 8 آلاف متسابق ليصبحوا جزءًا من رحلة استكشاف الكون عبر عدساتهم الفلكية، عاملة كذلك وعبر مسابقة «ساري» المطلقة حديثا على تحفيز طلاب أكثر من 40 جامعة وطنية على تطوير حلول مبتكرة لتصميم وبناء الأقمار الصناعية الصغيرة. مهمات فضائية وفي إطار سعيها لبناء بنية تحتية فضائية متكاملة دشنت الوكالة «مركز تصميم مهمات الفضاء» الذي عكس وبشكل واضح التزام المملكة وسعيها العميق لتعزيز قدراتها الوطنية في تصميم وتنفيذ المهام الفضائية، خاصة وأن المركز يسعى وبكل إمكانياته لتشكيل نقطة محورية في تحفيز بناء قطاع الفضاء السعودي المعتمد على الخبرات والقدرات والسواعد الوطنية، وضمن مساعيها لتعزيز التعاون الدولي قامت الوكالة بتوقيع 5 اتفاقيات ومذكرات تفاهم مع مؤسسات وهيئات فضائية دولية مرموقة، وذلك بغية تبادل المعرفة والخبرات وتعزيز الشراكات الاستراتيجية في مجال علوم وتقنيات الفضاء، وفيما يختص بمجال الأبحاث العلمية دشّنت الوكالة مبادرتها «الجاذبية الحيوية» لدعم الأبحاث الطبية في بيئة الجاذبية الصغرى، وتوفير بيئة مثالية لدراسة تأثيرات الفضاء على جسم الإنسان، بالإضافة إلى دعم أبحاث جديدة تسهم في تعزيز فهمنا لآثار الفضاء على الصحة البشرية، وبواسطة مبادرة «إثراء المحتوى العربي بعلوم الفضاء» حققت وكالة الفضاء السعودية نجاحا رقميا باهرا بتجاوز مشاهدات محتوياتها 700 مليون مشاهدة عبر منصات الإنترنت. وعلى صعيد تنمية القدرات والمهارات لكوادر قطاع الفضاء؛ نظمت الوكالة أكثر من 60 ورشة عمل وجلسة حوارية محليا ودوليا بما يعزز من تبادل الخبرات والتعلم المشترك في مجالات الفضاء، كما نفذت مبادرة «التدريب النوعي للكوادر الوطنية» عاملة من خلالها على تدريب أكثر من 100 متدرب على أحدث تقنيات الفضاء، بغية تأهيلهم ليكونوا قادرين على قيادة مشاريع الفضاء في المستقبل القريب. وهذه الإنجازات المتتالية والتي جرى تحقيقها خلال عام واحد تظهر وبجلاء التزام الوكالة التام بتعزيز وتطوير وتنمية قطاع الفضاء السعودي، وتعزيز عمليات البحث والابتكار فيه، وبناء مستقبل فضائي مستدام يعكس طموحات المملكة في هذا القطاع الحيوي والمهم، مستطيعة وعبر هذه المبادرات والأنشطة المحلية والإقليمية والعالمية على تعزيز مكانة المملكة بوصفها داعما رئيسا للابتكار والبحث العلمي في الفضاء، مع إثبات قدرتها على قيادة التحولات التقنية العالمية في هذا المجال.