«القلق الرقمي» مصطلح اقتبسته من الأكاديمي د. شريف بدران أثناء عرضه لمادة تتعلق بتحديات القدرة الاستيعابية في العصر الرقمي لفرط المعلومات وتدفق المحتوى الهائل المؤدي إلى إجهاد معرفي وصعوبة تمييز المتلقي، ما يحمل البعض إلى شعور متزايد بالضغط للبقاء مطلعاً على كل جديد والخوف من تفويت الأحداث المهمة. المحاضر د. شريف يتمتع بقدرة استثنائية على إيصال الأفكار المعقّدة بطريقة واضحة وملهمة، ما يجعله من أبرز الأكاديميين في مجاله، ولهذا سأسعى جاهداً لتناول الموضوع بما يوازي قدراته. تُعدّ العلاقة بين تطور تقنيات الإعلام الرقمي ورفع القدرة الاستيعابية للجمهور علاقة متبادلة. من جهة، تسهم تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي والواقع المعزز في تحسين جودة المحتوى، مما يجعل المعلومات أكثر جاذبية وسهولة في الفهم، وبالتالي، تعزز قدرة الجمهور على استيعابها بسرعة. ومن جهة أخرى، يتطلب زيادة القدرة الاستيعابية للجمهور، تطوير تقنيات الإعلام لتلبية توقعاته المتزايدة، فكلما أصبح الجمهور أكثر وعياً، زادت الحاجة إلى محتوى متنوع عالي الجودة، مما يدفع المبتكرين إلى تطوير أدوات جديدة. بهذه الطريقة، تعزز الديناميكية -المشار إليها- التفاعل الإيجابي بين الجمهور والإعلام الرقمي، مما يسهم في بناء مجتمع أكثر معرفة ووعياً. كذلك فإن مصطلح القلق الرقمي قد يقودنا إلى مفاهيم وزوايا أخرى، فهناك حالة من التوتر الناتج عن التفاعل المتزايد مع التقنية ووسائل التواصل الاجتماعي. يتجلى هذا القلق في الضغط النفسي الناتج عن الاستخدام المفرط للأجهزة الإلكترونية، مما يؤدي إلى تأثيرات عميقة محتملة على الثقافة والهوية المحلية. نتعرض جميعاً إلى الانفتاح على ثقافات أخرى -بشكل غير مسبوق-. ورغم أن هذا الانفتاح قد ينجم عن فرص للتعلم والإلهام، فإن له تبعات سلبية أيضاً، حيث يمكن أن يؤدي إلى فقدان الهوية الثقافية الأصلية والإفراط في التعرض لمحتوى عالمي قد يتعارض مع القيم والتقاليد المحلية، مما يخلق صراعاً داخلياً بين الحفاظ على الهوية والانجذاب نحو الثقافة العالمية. علاوة على ذلك، يمكن أن يؤدي القلق الناتج عن عدم القدرة على مواكبة التغيرات الرقمية إلى شعور بالعزلة والاغتراب. فعندما يشعر البعض بعدم قدرتهم على التفاعل مع التقنيات الجديدة، فإن ذلك قد يؤدي إلى تهميشهم من مجتمعاتهم. هذا التهميش قد يزيد مشاعر القلق ويؤثر سلباً على انتمائهم الثقافي. تسهم وسائل التواصل الاجتماعي في تشكيل الهويات من خلال تقديم منصات للتعبير عن الذات، ولكنها تعزز أيضاً الضغوط الاجتماعية. فنحن نشاهد جنون السباق في الحصول على إعجاب الآخرين، ما قد يؤدي إلى تآكل القيم الثقافية الأصيلة، ليصبح التركيز على الصورة العامة أكثر أهمية من الانتماء الحقيقي للثقافة المحلية. كما أن الاعتماد المتزايد على التواصل الرقمي يقلل من فرص التفاعل المباشر، مما يضعف الروابط الاجتماعية التقليدية ويؤثر على الهوية الثقافية المشتركة. لذلك، من الضروري تحقيق توازن بين استثمار الرقمنة في نشر ثقافتنا المحلية داخلياً وخارجياً وبين التصدي للثقافات الدخيلة غير اللائقة. يمكن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية كأدوات لتعزيز الهوية الثقافية المحلية وجذب الانتباه إلى التنوع الثقافي. في الوقت نفسه، يجب تعزيز الوعي النقدي لدى المجتمع حيال المحتوى الذي يستهلكونه، مما يساعد على مقاومة الثقافات التي تتعارض مع القيم المحلية. * بصيرة: يتطلب النجاح في تحقيق التوازن وعياً جماعياً والتزاماً اجتماعياً من خلال استثمار الرقمنة بطرق مبتكرة خلاقة تمكّننا من نشر ثقافاتنا وتعزيزها والافتخار بها، وفي الوقت نفسه، الحفاظ على قيمنا وهويتنا في مواجهة التحديات الثقافية العالمية.