نشأنا منذ الصغر على قوة شبكة العلاقات الاجتماعية، ورصانة جذورها في ثبات التواصل الإنساني بين المجتمعات وعلى مر السنين كنا نستمع لمقولة تتردد على مسامعنا كثيراً من الآباء والأجداد: (العلاقات مع الناس تجارة) لا تحددها قيمة مادية بل قيم معنوية من كسب طيب المعشر وجمال رفقة الدرب، وتنوعت تلك العلاقات بين الجار والصديق وتصل بأغصانها إلى ذاك الغريب وعابر السبيل فتظلل عن لهيب غربة الروح ثم تخلق مروجاً بهية من المجتمعات الصحية والتي تميزت بقوة التماسك وشدة الوثاق وجمال التلاحم الأخوي بلا حواجز أو كلفة، فالحي الواحد بمثابة أسرة متشعبة الفروع توحّدها المحبة والمروءة والنخوة وتجمعها البساطة والتعري من الكُلفة. ومع التوسع العمراني والتطور الحضاري اعتلت بعض الحواجز أنهار التواصل وبُنِيَتْ جسور من مصطلحات حديثة بل دخيلة على الشبكة الاجتماعية، تُفَنَّدْ ضمن الخصوصية والاستقلالية وما يتغنى به البعض من ذوي الهشاشة النفسية بمسمى العلاقات السامة إلى أن ينتهي بهم المطاف في بوتقة العزلة الأنيقة، كيف للبشرية أن تنمو وتزدهر وتتعلم وتنعم سوى من الاتصال الفردي بين أبناء الجماعة الواحدة وسيد الشرائع ديننا الإسلامي أمر بأهمية ري قنوات التواصل الطيب كما جاء في الحديث قال صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً وشبك بين أصابعه) إلا أنَّ ما يهدد مسار العلاقات البشرية هو الشعور بالقلق من الفقد أو التغيير من قبل الآخرين، فانكفأت النفس على ذاتها وأصبحت المعادلة من التواصل الاجتماعي الحقيقي إلى الاكتفاء الذاتي، وبالطبع تسللت إلى شرفات حياتنا خفافيش التبرم والفتور ولا عجب بوجود ثغرة كبيرة في الترابط الاجتماعي الفعلي في ظل غياب السنة البشرية وهذا ما أنادي به في طرحي بأهمية تقوية المناعة النفسية بين الأفراد وخاصة الجيل الحالي وتقبل الآخرين تقبل غير مشروط ولنرحب بمن اقترب من ينابيع الوصال فنحن بحاجة إلى أن نرتشف قدحاً من الحب في ظلال دافئة وأن تملأ ضحكاتنا آخر مدى للمجرة ولا تكن بضاعتك بخسة الثمن، ثمة أحداث لتحكم على نفسك بالعتمة الأبدية والسوء على البشرية، فالأفراد بطبيعتهم متغيرون والمواقف متجددة وما العمر إلا رحلة إن استمتعت بالتنقل بين دروبها فقد جمعت من عبير الفرح شذى يعم زوايا حياتك، كما أن الانعزال عن الآخرين سبب في تعطيل أدوات البقاء فالعقل يسأم والروح تشيخ والفؤاد يحزن. في داخل كلٍ منَّا مكنون عتيق من ذكريات نفيسة جداً من ذلك الماضي لم تؤطرها زخرفة مادية أو بهرجة شكلية بل نمت وتنامت بالبساطة وسعة الروح والقلوب المفتوحة قبل أبواب أصحابها، لربما زارتك ابتسامة خاطفة لامعة لتلمح تلك الذكريات لتنتشي أنفاس الحنين، بإمكاننا أن نصنع من الحاضر واقعاً أجمل إذا تعانقت الأرواح قبل مصافحة الكفوف.