في حلقة الأسبوع الماضي وصف لنا الكاتب والدبلوماسي البريطاني بلينكن جانبًا من أسواق أو بالأصح سوق الرياض حين زيارته لها ضمن وفد دبلوماسي سنة 1947م حينما قال وهو يدلف إلى السوق ويشاهد الدكاكين الطينية الصغيرة المتراصة وساحاتها: أدركت الآن تشابه الأسواق في العالم فالتعابير هي نفسها في كل هذه الأسواق. وشاهد البضائع المختلفة والعلب المتنوعة والدلال والقلايات الجذابة وصفائح القصدير المليئة بالفحم والصناديق الخشبية المليئة بالشاي والأرز وشاهد كافيهات تلك الفترة وهي دكاكين متواضعة مفروشة بالرمال أو قطع من فرشات الخوص يقدم فيها الشاي الساخن والكتب يذكر بعد ذلك بأنه مع الضابط الذي رافقه في الرياض أثناء جولته كدليل ومترجم لا تتجاوز معرفته بالترجمة أكثر من ست كلمات ومنها ملك وسوق وسيارة، جلسوا في السيارة يراقبون عمليات البيع والشراء في سوق الجمال لم يظهر أي من المشترين حماسًا لشراء الجمال المعروضة قام أحد الباعة في السوق بتبريك أحد الجمال بناء على طلب أحد المشترين ثم انحنى ذلك المشتري حينما فتح البائع فم الجمل الكسول الصبور المرهق الهادئ لينظر إلى أسنانه البيضاء والصفراء والمسوسة واستمر البائع في إظهار عدم اكتراثه في وسيلة النقل المتحملة لعائلته ولجلب الماء والغذاء عليها عبر الصحراء الشاسعة والقاحلة تلك الوسيلة التي لو تعطلت بسبب المرض فربما أدى ذلك إلى هلاك راكبيها بسبب ضربة الشمس أو الجوع أو الظمأ. بدأ السوق خلفهم مع اقتراب موعد أذان المغرب بإغلاق أبوابه بينما استمر البيع والشراء في سوق الجمال راقب الطريقة التي يحط فيها المشتري من قدر الجمل وهو يلمس صدره ويكاد يعد شعرات صدر الجمل الذي يبدو خاليا من الشعر ثم التفتت عيناه باتجاه بئر يقف بجانبها نساء متغطيات وأطفال يملؤون أوعيتهم بالماء لم تتغير الصورة منذ ألف سنة كما يقول. عادوا بعد ذلك عبر طريق آخر إلى القصر ومروا عبر دروب ضيقة وغير مسفلتة ببيوت صغيرة لم يهبط الظلام بعد حينما دون يوميات ذلك اليوم كان ينظر عبر إحدى النوافذ السبع في جناحه الذي يواجه الساحة العامة الكبيرة خارج القصر وعلى الدرب المؤدي إلى قصر الملك ويمكن الآن أن يرى شارعًا من الشوارع الخمسة المسفلتة في مدينه الرياض التي يستخدمها الناس والسيارات القليلة ورأى شاحنة حديثة فارغة تمر مسرعة كما شاهد بدويين يرتديان شماغين أحمرين وثوبين طويلين أبيضين ويسيران ببطء وعلى الجانب الأيمن من الشارع رأى امتداد رمل الصحراء وامتداد الشارع المسفلت على مدى ست مئة ياردة إلى أن يصل قصراً مسوراً بجدار طيني ورأى خمسة أو ستة جمال تسير في الخلاء خلف رجل قصير على رأسه طاقية بيضاء وفجأة وقفت الجمال لتفسح الطريق لمرور قطيع من أغنام سوداء ذات بقع بيضاء على أنوفها واستطاع أن يحصي عدداً من الحمير خلال نصف ساعة بعضها يحمل صفائح الماء واحدة على كل جانب ويقودها رجل وأحياناً صبي مؤكدًا أنه لم يشاهد أي بقرة أو حصان قبل أن يتأسف ويتدارك متذكراً أنه كان هناك واحدة من البقر خارج السوق أما الكلاب فهي بنية فاتحة اللون بشعر قليل وحجمها قريب من حجم كلاب الاير ديل ورؤوسها صغيره ولسوء حظه كما قال أن جيش الكلاب يملك طاقة لا تنتهي من النباح الرتيب المتواصل.. كلاب تنبح بسبب وبدون سبب طوال الليل ومعظم أوقات النهار ولاحظ أن نصف من رأى من الناس على الأقل بدون أحذية ولا يعني ذلك أنهم فقراء فبعضهم يمشي أو يجلس في حضرة الملك بدون أحذية حاول حين أوى إلى الفراش أن يتجاهل الكلاب وأصوات دلاء الري البعيدة واسترجع ملحوظات ولي العهد في أثناء الغداء كان ولي العهد الملك سعود مهتماً بتطوير الطرق والصحة والزراعة والتعليم التقني مرتبة حسب الأولوية وأن السكة الحديدية بين المنطقة الشرقيةوالرياض ستكون جاهزة خلال سنتين أو ثلاث سنوات كما أن هناك طرقًا وسككًا حديدية تحت التنفيذ.. يذكر أن سكة حديد الرياضالدمام استكملت في أواخر سنة 1951م. اعتياد المشي في الشوارع بدون أحذية من شوارع الرياض القديمة الجمل وسيلة النقل عبر الصحراء سعود المطيري