أثناء توقف الصحفي والدبلوماسي البريطاني في الرياض سنة 1947م ونزوله ضيفا بين قصر الملك عبدالعزيز والملك سعود وعدد من الوزراء -رحمهم الله- وفي أحد الأيام كان متوجها إلى ديوان ولي العهد الملك سعود عند ما دخل إليه حافي القدمين بسبب انقطاع حذائه في الطريق.. وهكذا جلس بهذه الطريقة طوال مدة الغداء. والذي استمع بعده كما قال إلى نكت وطرائف من الملك سعود وأطلعه بعد ذلك على ألبوم يحتوي قصاصات من جرائد أوروبية وعربية عن رحلته حول العالم واستمتع كذلك مرة أخرى بالكرم العربي الأصيل كما وصفه ممثلا بمضيف الملك سعود مضيفا قوله: كان ولي العهد سعود ومن حسن حظي متذوقا جيدا لبعض الأكلات الغربية مثل الآيس كريم الذي يشبه آيس كريم هنري سارتوري.. ماذا عن نعالي المقطوع لقد أحضروها بعد ساعات قليلة. غادر بعد ذلك بالسيارة متجها إلى سوق الرياض مدركا تشابه الأسواق في العالم فالتعابير كما يقول هي نفسها. سار فوق الطرق الرملية بعد ظهر ذلك اليوم برفقة ملازم يرتدي بدلة عسكرية وكلماته الإنجليزية محدودة لسوء حظه لا تزيد على ست أو سبع كلمات هي جيد، سيء، سيارة، ملك، سوق، وكانوا قد أخبروه أنهم لم يعثروا على مرافق يتحدث الإنجليزية بعد. ومترجم الملك لا يمكن أن يغادر القصر مادام أن الملك موجودا في القصر. أما المترجم الثاني فهو برفقة الجيولوجيين الأمريكيين الذين سيقابلون ولي العهد ومعهم تقاريرهم التنقيبية. وصلوا في الساعة السابعة صباحا. عرف وقتها أن التوقيت في القاهرة متقدم بمقدار ساعة على توقيت جرينتش الصيفي. غادر بالسيارة مع الضابط عند مدخل السوق الرئيس ووقف ينظر بهدوء إلى السوق. كانت هناك دكاكين صغيرة عرضها خمسة أقدام وارتفاعها ستة أقدام ونصف القدم تحتوي على بضائع مختلفة وعلب متنوعة ودلال نحاسية وقلايات جديدة جذابة، وصفائح قصدير مليئة بالفحم، وصناديق خشبية مليئة بالشاي والأرز. كان هناك سجاد مغطى بالمظاريف والأوراق المسطرة (يقدر معدل ما يعرضه كل تاجر ما بين اثنتين أو ثلاث رزم من المظاريف ورزمتين إلى ثلاث من الورق المسطر) كما شاهد قارورتين أو ثلاثا من حبر كوينك الأمريكي وقوارير حبر فارغة قديمة بريطانية ولعل أكثر ما لفت نظره كما قال هو منظر تلك الدكاكين الصغيرة المتلاصقة التي يشتري منها الناس الشاي الساخن والقهوة والكتب القديمة. وكان كلما وقف لتأمل كيف يحولون جلود الأغنام إلى قرب ماء تجمهر حوله حشد من الناس وزاحموه حتى غرق بالعرق المتصبب من جسده، حيث لم تعد كلمات الضابط في إبعادهم مجديا عدى دقائق قليلة. مر بتاجرين يتناقشان حول عقد بيع مكتوب على ورق وشاهد كيف يعدون الريالات الفضية الكبيرة التي تشبه الخمسة شلنات مصفوفة في صناديق خشبية. كان أحد التجار يعد ما يقارب خمسمائة أو ستمائة ريال فضة. ولاحظ التنافس الحيوي بين البائعين المتجولين (الدلالين) فعندما اقترب منهم بائع السجاد المتعجرف كما يقول رافعا صوته بثمن السجادة التي يتلهف إلى بيعها، وإذا بآخر يحاول بيع المشالح والبشوت رافعا صوته بالثمن. أخبره الضابط أن بائع السجاد كان يطلب مئتي ريال (ما يعادل عشرين جنيه إسترليني) وأن الآخر كان يطلب حوالي عشرة جنيهات إسترليني للمشلح أو البشت المصنوع من وبر الإبل وكان الضيف البريطاني من وقت لآخر يسأل مرافقه الضابط عمن يسكن في هذا القصر المسور بحائط طيني مرتفع أو ذاك القصر الكبير فيجيبه هؤلاء هم (الشيوخ) توجهوا بعد ذلك بالسيارة عبر مجاز رملية خالية من البيوت ترعى فيه الحمير. (يتبع).. من أسواق الرياض العام 1950م ريال فضة من أسواق الرياض قبل 75 عام سعود المطيري