في حياتنا، هناك قوانين خفية تحكم التوازن، قوانين لا نراها، لكنها تتجلى في لحظات غير متوقعة، وكأنها تذكير بأن أفعالنا لا تذهب سدى, هذه هي الكارما، ذلك المفهوم العميق الذي نشأ في الفلسفات الهندية لكنه تجاوز الأطر الروحية ليصبح قاعدة غير مكتوبة يتداولها الناس دون أن يدركوا أصولها. وسلط المستشار والباحث في المهاراj أنس محمد الجعوان الضوء على هذا القانون الكوني للسبب والنتيجة، موضحًا أن الكارما ليست مجرد فكرة عابرة، بل مبدأ قائم على أن لكل فعل رد فعل، لكل كلمة أثر، ولكل نية انعكاس، سواء أدركنا ذلك أم لا. يقول الجعوان: "كما تزرع، تحصد"، فالعطاء يولّد الخير، والصدق يجلب الطمأنينة، والرحمة تملأ الحياة بالسلام، لكن الوجه الآخر لهذا القانون لا يقل وضوحًا: الأذى يعود إلى صاحبه، والكذب يكشف صاحبه ولو بعد حين، والأنانية تحيط صاحبها بوحدة لا فرار منها. قد لا يحدث ذلك فورًا، لكنه سيحدث، بطريقة ما، في وقت ما، وفقًا لمنطق الحياة الذي لا يحيد عن العدل. لكن، هل تعني الكارما أن الإنسان مسيّر؟ هل هي قدر لا فكاك منه؟ الجعوان يجيب: على العكس تمامًا، الكارما ليست حكمًا مسبقًا، بل انعكاس لاختياراتنا، نحن نصنع نتائجنا، نحدد مصائرنا من خلال أفعالنا، ولسنا مجرد ضحايا للظروف كما يحب البعض أن يتصور. في الفلسفات الشرقية، تأخذ الكارما بُعدًا أكبر، إذ يُعتقد أنها تمتد عبر الحيوات، تربط الماضي بالحاضر بالمستقبل، وتحدد ما يمر به الإنسان بناءً على تراكمات سابقة، أما في الاستخدام اليومي، فقد أصبحت تعبيرًا شائعًا عن فكرة أن ما تفعله سيعود إليك، عاجلًا أم آجلًا. لكن كيف يمكن للإنسان أن يبني كارما إيجابية؟ الأمر ليس معقدًا: عامل الناس بمحبة، كن صادقًا في أفعالك وأقوالك، لا تنتظر مقابلًا حين تساعد أحدهم، لا تحمل الضغائن، وكن مصدرًا للطاقة الإيجابية حيثما حللت. ببساطة، ازرع الخير، لأنه سيعود إليك بأشكال لم تتوقعها. وفي النهاية، تبقى الكارما درسًا مستترًا في تفاصيل الحياة، تتجلى في لحظة انتقام خفية، أو في مكافأة غير متوقعة. إنها القانون الذي لا يميز بين غني وفقير، ولا بين قوي وضعيف. فما تمنحه للعالم، يعود إليك، مهما حاولت أن تهرب منه.