في رواية رمزية، مضمونها يقول: أُقيمت في السماء وليمة مقدسة على شرف المخترع الاول، بدا المخترعون بالتوافد، والحارس يسال كلًا منهم عن اختراعه، في الجاذبية، والكهرباء، والهاتف، والراديو، والالة البخارية، و... وما زال يامرهم بالوقوف جانبًا حتى اتى شخص يكسو جسده الشعر، وهو شبيه بانسان اليوم. ساله عن اختراعه فاجاب: "انا اول من استعمل يده"، قال الحارس: "تفضل الوليمة على شرفك". تشير هذه الرواية الرمزية الى اهمية العمل اليدوي والابتكار الشخصي في تشكيل الحضارة، وتعكس كذلك تقدير العمل البشري في ابسط صوره. فهي تعبّر عن احتفاء بقيمة الجهد الفردي والابداع البشري، وكيف ان فكرة الابتكار لا يقتصر على الاختراعات المعقدة، بل يمتد الى القدرة على استخدام موارد الطبيعة بطرق جديدة. الحرف اليدوية منظومة عملية وثقافية لها دور في تعزيز الهوية الوطنية، وتاكيد وحدة البلاد وتجانسها. أضف الى ذلك، ممارسة الحرف اليدوية تُحسن من الحالة النفسية والمزاجية بحسب الكثير من الحرفيين ممن التقيناهم، لانها تعتمد على ادوات ومنتجات محلية طبيعية غالبًا ما تكون صديقة للبيئة والإنسان. كما ان هذا النوع من الحرف ذو بُعد ثقافي يُمارَس ليس بوصفه موروثًا شعبيًّا، يستمد منه جزءًا كبيرًا من شخصيته وهويّته الوطنية فحسب، بل يُمارَس بوصفه هِوَايةً وتعبيرًا عن حالة وجودية تربط الإنسان بتراثه. في كل عام، تحتفي وزارة الثقافة بعنصر مميز من عناصر الثقافة، والحرف اليدوية احد تلك العناصر، بل من ابرزها. والحفاظ عليها كتراث ثقافي واجب وطني؛ حتى لا تندثر معالمها مع العولمة والحداثة. ولاهميتها تقرر تسمية عام 2025 م بعام الحرف اليدوية، ترسيخًا لمكانتها بوصفها تراثًا ثقافيًا اصيلاً، وتعزيزًا لمزاولتها وصونها، واقتنائها، وتوثيق قصصها وحضورها في حياتنا المعاصرة. في دراسة عام 2018 م قامت بها الباحثة الدكتورة عبير رفاعي عن صناعة الثقافة، كشفت فيها عن تزايد الطلب في عام 2012 م من الدول الاعضاء في الاممالمتحدة لادماج الثقافة ضمن الاستراتيجيات الإنمائية وخطط التنمية الوطنية. وتم دمج الثقافة في جميع المجالات الموضوعية المدرجة في اعمال الاممالمتحدة، وشملت التنمية الاجتماعية والاقتصادية وحقوق الانسان، بالاضافة الى حماية التراث الثقافي غير المادي وتعزيز الصناعات الثقافية. وصناعة الثقافة تُسجّد شكلًا من اشكال التعبير الثقافي، كما تمثل احد قطاعات الاقتصاد والتجارة الاقوى نشاطًا في العالم، مما يفتح امام البلدان النامية افاقًا تجارية جديدة. حينما اتحدث عن صناعة الثقافة، لست بعيدًا عن موضوعي الاساس، الحرف اليدوية، لانها تندرج تحت ذلك. اذ تمثل صناعات الحرف اليدوية اثر من 7 % من الناتج العالمي، وفي ازدياد مستمر، بحسب الدراسة السابقة. والانتقال بالحرف اليدوية من مفهومها التقليدي الى المفهوم الحديث كصناعة ثقافية في الوقت الحالي امرفي غاية الاهمية، لان هذا التحول الى صناعة، اي صناعة الثقافة، قائم على نشاط ابداعي بتحويل الموروث الثقافي الى مخرجات ابداعية وابتكارية. تتمثل هذه المخرجات في منتجات يدوية معبّرة عن الهُويّة الثقافية، كالمشغولات النسيجية اليدوية (السدو)، والمشغولات الخشبية (الابواب النجدية)، والمشغولات النخيلية (الخوص)، والمشغولات المعدنية (صناعة الخناجر والسيوف، والنقش على المعادن)، والمشغولات الفخارية، وصناعة الحلي وغيرها. هذه المنتجات مرتبطة ارتباط كبير بالعناصر الثقافية في الموروث السعودي، وتتفاعل معها بشكل وثيق، فبعض هذه المنتجات والأدوات الحرفية مرتبطة بالقهوة السعودية، وبعضها مرتبطة بالإبل، كمنتجات البد، والجاعد، والخُرج، والرَسن، كلها صناعات يدوية، ومنها ما هو مرتبط بالخيل، مثل منتجات السُرُجْ الخشبية، ونسيج الحياصة، وجلود الجِلَال، وأخرى مرتبطة بالتراث السمعي والبصري.. يكون الهدف من هذه المخرجات، الحفاظ على الهوية وتجديدها، ويتم ترويجها او اقتناؤها مقابل عائد مالي، وتوفير فرص عمل وتدريب للجماعة المبدعة من خلال المراكز الابداعية المتخصصة في الحرف اليدوية التي تتضمن قطاعات الانتاج والتدريب والتسويق، بما يسهم في دعم الناتج المحلي وتحسين فرص التنمية.