مع التوافد الواسع للجالية الجاوية إلى مكةالمكرمة واستقرارهم في المنطقة، تميزوا بأنهم يبحثون عن طلب العلم الشرعي من أهله المختصين به، حيث كانت مكة هي موطن الرسالة الإسلامية، ومنبع لاكتشاف وتعلّم العلوم الدينية على يدي أشهر العلماء المسلمين، ويهدفون من خلال تعلمهم للعلوم الدينية إلى نقل المعرفة، ومراقبة نمو الحركة الدينية في بلادهم. إن الفرد الجاوي نال مناصبًا مرموقة مع ارتفاعه بالعلم الشرعي، وبات مدرسًا في المسجد الحرام، فذلك لا يجعله مشهورًا بين أفراد المجتمع المكي فحسب، بل وحتى بين مواطنين بلده الذين يجلسون بين يديه في حلقات العلم، وفي حقيقة الأمر رغم الفرص العظيمة التي تعطى لهم، إلا أنهم لا يجسرون أن يأتوا إلى مكة إلا بصفة طالب علم. من جهة أخرى، فإن الظروف التي يبدأ بها أفراد الجاوى حياتهم العلمية في مكة تتنوع تنوعًا كبيرًا، فقد يرسل أحد الحكام أو الأمراء أحد أبنائهم الكثيرين إلى مكة المشرفة، ليكرس حياته للعلوم الدينية باسم الأسرة كلها، وفي العادة ترسل عائلة الطلبة المتدينين جميع المستلزمات الضرورية لحياته، وبالإضافة إلى هؤلاء هناك عدد من طلاب العلم من صفوف أبناء الموظفين الصغار الذين يبتغون طلب العلم، ولا يقتصر الأمر على هؤلاء فقط فهناك الشباب الذين قدموا إلى مكة بصفتهم خدمًا إلى العاصمة المقدسة، إذ يبدي بعضهم قدرة خاصة وكفاءة عالية في التعليم، فيتعهدهم بعض الأصدقاء الطيبين بالمساعدة المادية لمواجهة متطلبات الحياة، علاوة على ذلك، فإن الكثير من الشباب من الأصول الجاوية يقدمون إلى مكة وليس لديهم من شيء سوى الاعتماد على الله سبحانه وتعالى، وليس لديهم من هدف سوى اقتحام العلم العربي. إن بعض من يقدم إلى مكة من الجاوى يكون قد قطع شوطًا بعيدًا في الدراسة في الوطن الأم، ممن تولدت لديهم الرغبة في السفر إلى مكة، حينما شعروا بعدم كفاية وسائل التعليم في بلادهم، وكما أنهم سمعوا قصص العائدين من مكة، بأن الثروة الروحية والتعليم ميسر لجميع الناس بدون استثناء. (المصدر: كتاب صفحات من تاريخ مكةالمكرمة) المؤلف (سنوك هورخرونيه)