يرتبط مفهوم السيمائية بدراسة الإشارات وتفسيراتها، والبحث فيها باعتبارها أحد أجزاء الحياة الاجتماعية، فهي تهتم بكل نواحي تجربة الإنسان المتصلة بمنظومة الدلالة، وتحاول تفسير كل ما يمكن أن نطلق عليه علامة مما نعايشه في حياتنا اليومية، من خلال تحليل الرسوم واللوحات والصور، والكلمات والأصوات ولغة الجسد وغيرها. ويتميز التحليل السيميائي بكونه مجالاً واسعًا يتجاوز الحدود الفاصلة بين الاختصاصات والعلوم، ويفتح أمام الباحث طريق الإبحار فيما يراه ويلمحه من المعاني والدلالات، علاوةً على أنه يمنح المحلل التحكم الكامل بتأويلات ومفاهيم الإشارات التي يتعرض لها، بالإضافة إلى ما يشير إليه بنكراد من أن السيميائية تدرب العين على التقاط المعاني الضمنية المتوارية داخل الصور بالنظر إلى الإشارات التي تحتوي عليها، وتفتح أمام المحلل باب الإنتاج الواسع للمعاني بعيداً عن التقيد بمعنى واحد أو الاكتفاء بتأويل سابق. وعند تأمل تصميم رمز عملة الريال السعودي، الذي اعتمده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-، وأعلن البنك المركزي السعودي اكتمال العمل على تصميمه، بالتعاون مع وزارة الثقافة، ووزارة الإعلام، والهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة، نجد أنه بالإضافة إلى دلالته الإدراكية المتعلقة بإبراز مكانة عملة المملكة واقتصادها، بين الاقتصادات العالمية الكبرى، يشير إلى عدد من الدلالات التي تتعاضد في إيصال فكرته وترسيخ رسالته. يضعنا رمز الريال السعودي أمام عدد من المعاني والدلالات الصريحة والضمنية، التي نستطيع ملاحظتها واكتشافها من خلال تأمل مكوناته؛ بدءاً بدلالة كلمة "ريال" التي حملها الرمز، على الاعتزاز بالإرث التاريخي العريق، واستصحاب حجر الأساس الأول في مسيرة المملكة الاقتصادية، منذ إصدار أول عملة نظامية في عهد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه-، وحتى وصول المملكة اليوم إلى عضوية مجموعة العشرين، وتشكيل أحد أكبر الاقتصادات العالمية. ويشير رسم تصميم الرمز باللغة العربية وبأسلوب مستوحى من الخط العربي، إلى ترسيخ مكانة اللغة العربية التي تُشكل ثُلث اسم المملكة العربية السعودية، وارتباطها الوثيق بالثقافة السعودية، إلى جانب الاعتزاز بالهوية الوطنية والانتماء الثقافي، الذي يُعد أحد الروافد المهمة لتطور المملكة ونموها الاقتصادي. ويمكن أن يدل الترابط الذي يعسكه تصميم رمز الريال السعودي، من خلال اتصال جميع الحروف، على ما يتميز به الاقتصاد السعودي من مكانة تربط التجارة العالمية والقارات الثلاث، إلى جانب الدلالة على ارتباط الحاضر المزدهر والمستقبل المشرق التي يتجه إليه اقتصاد المملكة، بالماضي العريق والأصالة المتجذرة. ويحكي تفرد هوية رمز الريال السعودي البصرية بين رموز باقي العملات، اهتمام الاقتصاد السعودي بمواكبة أحدث التطورات واستيعاب الفرص الجديدة، إلى جانب دلالة بنية الرمز الهندسية المفتوحة التي لاتحتوي على أي أشكال مغلقة، على انفتاح الاقتصاد السعودي على العالم ومرونته وقدرته على التكيف مع المتغيرات الاقتصادية، كما يمكن الإلماح من خلال تنوع أشكال الرمز الهندسية، إلى تحفيز الاقتصاد السعودي للتكامل بين القطاعات المختلفة لتحقيق التنمية الشاملة، بالإضافة إلى تبني مفهوم الاقتصاد الإبداعي والابتكاري. ويبرز امتداد الخطوط وطولها مع متانتها في تصميم رمز الريال السعودي، ما يتمتع به الاقتصاد السعودي من الاستقرار والثبات المبنيين على البُنى التحتية القوية والسياسات الاقتصادية الراسخة، مع ما يدل عليه امتداد هذه الخطوط من استدامة تبني رؤية المملكة الاقتصادية لأفضل السياسات، التي تساهم في ازدهاره وتعزيز جاذبيته لدى المستثمريين على المستويين المحلي والعالمي. يتجاوز رمز الريال السعودي من خلال هذه النظرة السيميائية، مجرد الترميز والاختصار لاسم العملة السعودية، إلى الانسجام مع السمات الاقتصادية والرؤى الإستراتيجية التي صاغتها رؤية سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-، المتجهة نحو بناء اقتصاد قوي ومتنوع يقوم على الابتكار والتنوع، ويمتد من الجذور الراسخة، وينسجم مع مستجدات الأسواق العالمية، وهذا ما نقرؤه بجلاء في مستهدفات رؤية 2030 الطموحة.