بين مفردتي هذا العنوان مسافة كبيرة وبون شاسع على المستوى السلوكي الذي يتراوح بين الفرح والابتهاج للمكافأة، وبين العِقاب والجزاء لحالة من الذنب مع طغيان مشاعر الإدانة، الأمر يؤدي بنا إلى معرفة العلاقة الجدلية بين كل مصطلح وآخر، وذلك على مستوى معرفي مفاهيمي في الاتجاه الاجتماعي، فالمكافأة هي اعتراف بعمل مميز وجدير بالتقدير والتشجيع وتمارسها كل المجتمعات ضمن مسارات حياتها اليومية، أما العقاب فهو يكون كما يقال (الجزاء من جنس العمل) وهو مجازاة وعقوبة على فعل أمر ما يتنافى مع قيم المجتمع أو الأنظمة المرعية، أو حتى التوجهات الأسرية، لكنني قرأته في رسالة وصلتني عبر البرنامج الاجتماعي الشهير (واتس أب) كمشاركة رائعة تتمثل في مقولة الفيلسوف الروسي (فيودور دوستو يفسكي) وهو روائي وكاتب صحفي معروف حين قال في أحد أقواله الشهيرة (طفولتك تنتهي عندما تدرك أن النوم مكافأة وليس عقاب)، وهنا قرأتها بطريقة الكشف عن الحكمة لهذه المقولة، وكيف الفارق بين سماعها في سن الطفولة، وكيف هي اليوم ضمن أمنيات لن تتحقق، نُرغم على السهر في لهاث مستمر في ثنايا حياة صاخبة تدفعنا إلى مواجهة كل إكراهاتها، وقد استوقفتني كثيراً هذه العبارة للوقوف على إبعاد الماضي، وعدت بها إلى فجر يوم بعيد، ودعنا عزيزي القارئ نعيش معاً بُعدي الزمن، كيف هي في الأمس؟ وكيف هي اليوم؟ وكيف كنا نشعر أنها كلمة ثقيلة محفوفة بسطوة تهديد من منظور ضيق لبراءة الطفولة وعفويتها؟ بل نرى أنها تتجه إلى أبعد من ذلك وتحرمنا من أجمل الأوقات ولا يمكن أن نستمر في السهر ولو يسيرًا من الوقت، إلا بعد تقديم ضمانات تحقق تقدمًا واضحاً وملموساً في مسارات الحياة، مما يؤكد أن الأسرة تُوكِل بعض المهام للطفل وينجزها بكل همة واقتدار ليوصف بعدها كمكافأة له بوصف نبيل (مثل الذئب)، ومن هنا ندرك الأبعاد الدلالية للمكافأة والعقاب، ما يعني أن الأسرة في الماضي كانت تتيح للطفل سُبلاً من المشاركة، حيث لا يقتصر النشاط على الوالدين فحسب في شؤون حياتهم، بل تكون المشاركة من جميع أفراد الأسرة في محاولة جادة لتكافؤ الفرص بين الجميع لعطاء ناجز وخصوصاً في المجتمع الريفي، فيما يعرف اليوم بالأسر المنتجة، وبين بعدي الزمن الماضي والحاضر، كانت كلمة ثقيلة في الماضي وفي مرحلة عمرية معينة ونشعر بسطوتها أيام الطفولة، واليوم نستعذبها ونتمناها في حاضرنا وفي كلتا الحالين يعيش الإنسان فيضاً من الأماني بامتداد لا ينقطع. فيا ليت الشبابَ يعود يوماً.. فأخبره بما فعل المشيبُ والإنسان في درب سفره الطويل في الحياة على منوال دواليك، وهو طفل يتمنى أن يكبر، وكهل يتمنى أن يعود يوماً إلى مرابع الصبا والطفولة، وهكذا يعيش الإنسان مراحل الزمن وتباينات مراحل العمر ويستشعر حقيقة بعدي المكافأة والعقاب.. وإلى لقاء. عوضة الدوسي