حين كنت في العلا أخذت أعيد ما أعرفه عنها .. لكنني هذه المرة أعيده بهاجس الشاعر وأتناص معه برؤيا الحالم وأعرضه بعزة المواطن الذي آمن بوطنه قِبلةً، ونادى بها المستقبل واثقا فالعلا التي تُعدُّ إحدى أبرز الوجهات الثقافية والسياحية في المملكة العربية السعودية، من خلال تميزها بتاريخها العريق وآثارها الخالدة التي تعكس حضارات متعاقبة مثل اللحيانيين والأنباط. حلمت ثم ارتأيت أن، إقامة مهرجان شعري عربي فيها يعدُّ فرصة ذهبية للاستفادة من إرثها الغني وتسليط الضوء على مكانتها الحضارية، فالمدينة، التي تمثل متحفًا مفتوحًا يجمع بين الجمال الطبيعي والتاريخ العريق، تشكل بيئة مثالية لاستضافة حدث ثقافي يعزز مكانة الشعر العربي بوصفه أحد أعمدة التراث الأدبي العربي، والعلا التي تشتهر بآثارها الفريدة مثل مدائن صالح، الذي يعد أول موقع سعودي يُدرج ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو، كذلك قاعة المرايا تلك التحفة المعمارية الحديثة التي تحتضن الفعاليات الثقافية والفنية. وكل هذه المعالم وغيرها توفر بيئة استثنائية للشعراء والجماهير على حد سواء، حيث يمكن أن يكون المهرجان بمثابة جسر يربط بين الماضي والحاضر، ويعيد إحياء التقاليد الشعرية التي لطالما كانت جزءًا أصيلًا من الهوية العربية. كما أن طبيعة العلا الصحراوية وجبالها الشاهقة التي ترسم لوحات فنية غاية في الجمال تخلق جوًا مهيبًا يلهم الشعراء لإلقاء قصائدهم في أماكن تحمل عبق التاريخ، ولك أن تتخيل أمسية شعرية تقام بين الصخور العملاقة، حيث يصدح صوت الشعر وسط الأودية والكثبان الرملية، ليعيد للأذهان مجالس الشعر القديمة التي ازدهرت في الجاهلية والإسلام. وأنا حينما أحلم بمهرجان كهذا إنما أحاول أن أكرر نجاح تجربة مهرجان الشعر العربي في جزيرة فرسان التي باتت أيقونة على لسان الشعراء العرب الذين شاركوا في إحدى دورات المهرجان في أعوامه السابقة، فكلما التقيت بأحدهم أخذ يسهب في الحديث عن فرسان كجزيرة ملهمة بالنسبة إليه، وبالتالي فإن إقامة مهرجان في العلا لا تقتصر أهميته على الجانب الجمالي فقط، بل تمتد لتشمل أهدافًا ثقافية واقتصادية وسياحية، تتمثل في إحياء التراث الشعري العربي بحيث يكون مهرجان العلا للشعر العربي منبرًا للأدب والشعر، يُحتفى فيه بشعراء الماضي مثل: امرؤ القيس والنابغة الذبياني، جنبًا إلى جنب مع شعراء العصر الحديث كما إن في إقامته في العلا تعزيز للسياحة الثقافية فالمهرجان سيساهم في جذب السياح من داخل المملكة وخارجها، خاصة عشاق الأدب والتاريخ، مما يعزز الاقتصاد المحلي ويوفر فرص عمل جديدة كما أنه بكل ما نتخيله له من نجاح اعتدنا عليه في تنظيم فعالياتنا يشتمل ضمنا على تشجيع المواهب الشابة إذ يمكن أن يضم المهرجان مسابقات شعرية تتيح للشعراء الشباب فرصة للظهور والتألق، مما يضمن استمرار تطور الشعر العربي فضلا عن الترويج للهوية السعودية عالميًا فالمهرجان فرصة لإبراز المملكة كوجهة ثقافية عالمية، تدمج بين الأصالة والتطور، وتدعم الفنون والأدب.