إن أسمى وأنبل العلاقات الإنسانية والاجتماعية والعاطفية تُبنى على أسس الفضيلة ومكارم الأخلاق، وأحد أسمى هذه الفضائل (العطاء)؛ فالعطاء كلمة مشتقة من الفعل أعطى والفاعل منها مُعطِ، إذًا العطاء لا يمكن أن يكون إلا بالفعل والمناولة. العطاء مثله مثل أي فعل إذا زاد عن حده انقلب ضده، صحيح أنه لا يوجد مقياس محدد للعطاء إنما يقاس حد العطاء الصحي إلا عطاء مفرط غير صحي عندما يتحول من أسمى خصال الحُب والنُبل إلى أذى، شر، خيبة، خذلان، أنانية!! للعطاء صور وأشكال لا حصر لها فهناك من يعطي عمره وهناك من يعطي قلبه وآخر يعطي جميع ما يملك، حتى لا يصبح هذا المقال متشعبًا مُملًا للقراء، دعونا نزيل فلتر التجميل عن الصورة ونرى الصورة على حقيقتها دون فلتر!! كم من عقل أُصيب بالجنون وأصبح يهيم في وساوس الشك والظنون نتيجة خيبه أصابته حين أفرط في ثقته تجاه الآخر مهما كانت صلته بالآخرين!! كم من قلب أهلكه الوجع والألم حتى أصبح بقايا قلب لا يستطيع النبض بالحياة كما كان، وما كان ذلك لولا أنه أفرط في حبه حتى وهب ربيع العمر وضحى بأغلى وأنفس ما يملك وزاد من فرط عطاءه حتى تحمل فوق حمله أحمال أثقلت ظهره، ليستيقظ ذات يوم ويجد نفسه في أرضٍ بور!! وكم من أم وأب أفرطوا في عطائهم على أبنائهم وكانت النتيجة أن أصابهم وجعٌ في الروح فكل ما تم فعله على مر السنين قابله جحود ونكران واستغلال حتى أنهم وضعوا أنفسهم أمام خيارٍ صعب إما الاستمرار في العطاء المفرط لأن الأبناء أصبحوا اتكالين لا يستطيعون الاعتماد أو الاستقلال بأنفسهم أو أنهم يتوقفون عن فرط العطاء ويواجهون ردود أفعال أبنائهم المخيبة!! لسرد أنواع العطاء نحتاج إلى أكثر من مقال وقد نصل إلى كتاب أو أكثر، ولكن لا نحتاج إلا لكلمتين لوصف نتيجة العطاء المفرط (خيبة وخذلان).. لا يمكن لأي قارئ أن يشعر بنتيجة العطاء المفرط إلا من تذوق مُر الخيبة وكابد الخذلان.. إن الوصول لفرط العطاء لا يكون بين ليلة وضحاها إنما يضل المفرط يعطي ويعطي حتى يصبح عطائه واجبًا ولازمًا في عين المعطى له، بل يحاسب ويلام في حال عدم عطائه!! وقد يتعرض للعقاب أيضًا نتيجة عدم عطائه بالقدر الذي يريده المعطى له!! يجب علينا أن نعلم أن الأخذ فضيلة مثل العطاء، صحيح أنه ليس من المُلزم أن يكون بالمثل أو أن تتوازن كفة العطاء والأخذ على وزنٍ واحد، ولكن عطاء دون مقابل ما هو إلا ألمٌ مؤجل وخيبة وخذلان تنتظر سقوط الأقنعة لتظهر.