ينبع التركيز على الألقاب غالبًا من التقاليد والثقافات الهرمية الراسخة في المجتمع، وربط الألقاب بالمكانة الاجتماعية، واعتبارها علامة على الجدارة لنيل التقدير والاحترام، وفي مجتمعنا غالبًا ما يتم تضمينها في الاتصالات الرسمية؛ بل ويحرص البعض عليها لتعزيز شعور "الأنا"، والرغبة في إظهار التفوق بين الأقران، وعند بحثي وجدت أن لها سببًا آخر وهو التاريخ الاستعماري لبعض الدول والقيمة المعطاة للتعليم كأداة للتطور الاجتماعي في بعض بلدان العالم الثالث. وعلى النقيض من ذلك، تضع بلدان أخرى قدرًا أقل من التركيز على الألقاب في التفاعلات اليومية، ويميل التركيز أكثر على المساواة والجدارة والإنجازات أو المساهمات في المجتمع، بدلًا من الألقاب والمناصب وغيرها من الأمور الشكلية. في الثقافات التي تُعطى فيها الألقاب أهمية مفرطة مثل "دكتور" لحاملي شهادة الدكتوراه، قد يعزز ذلك من الهياكل الهرمية الصارمة؛ مما يثبط الحوار المفتوح والتعاون ويصبغه بنوع من الرسمية المفرطة، خاصة في بيئات العمل التعاونية التي تتطلب التواضع والعمل الجماعي، وقد يشعر الأفراد الذين لا يحملونها بالتهميش أو التقليل من شأنهم ببساطة لأنهم لا يحملون لقب دكتور أو مهندس.. إلخ. هذا يمكن أن يخلق بيئة يتم فيها الحكم على الأشخاص بناءً على شهاداتهم بدلًا من قدراتهم، وعلى ألقابهم بدلًا من إسهاماتهم. لذا أتساءل: لماذا لا يتم مناداة الأشخاص بالأسماء المجردة أو الكنية لكوننا عربًا؟ وللذكر بالشيء: أعرف مهندسًا كان ينادى بلقب "م" في اللقاءات والمراسلات المكتوبة، وبعد فترة وجيزة تحول هذا اللقب إلى حرف "د"، فمَن أبدل حرف "م" بحرف "د"؟! فاكتشفت أنه كان يدرس بالمراسلة في إحدى دول جنوب آسيا. لذا تساءلت: لماذا كل هذا اللهاث وراء هذا اللقب؛ لاسيما أنها من جامعة غير معروفة إطلاقًا، فضلًا عن ضعف قدراته البحثية؟! بل هناك شخص آخر تتم مناداته بلقب "دكتور" خلال الاجتماعات والخطابات وهو لم يكمل برنامج الدكتوراه لظروف خاصة! في العديد من الأوساط المهنية الدولية، يتم التقليل من أهمية الألقاب مثل "دكتور"، أو يتم تخصيصها لمجالات مهنية محددة مثل الرعاية الصحية. الإفراط في التركيز على هذه الألقاب يمكن أن يخلق حالة من الإحراج أو سوء الفهم في التعاونات العالمية. يذكر لي أحد الزملاء أنه في أحد اللقاءات الدولية عرَّف كل موظف بنفسه: أنا المهندس فلان، وأنا المحامي فلان، وأنا الدكتور فلان.. إلخ، وفي نهاية التعريف تعجب الوفد الأجنبي من ذِكر كل شخص بلقبه قبل ذكر اسمه، وكأنه يقول: ما الحكمة من ذلك؟! وفي الختام: مناداة الأشخاص بالألقاب الرسمية لها منبع ثقافي متجذر وقد يكون من الصعب إزالته، خاصة لوجود شريحة في المجتمع لا تتفق مع الطرح الذي أطرحه ويتلذذون بالألقاب عند سماعها. عمومًا هذا كان رأيًا شخصيًّا، وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه. * باحث في علوم وهندسة المواد، ومهتم في علوم الإدارة الهندسية