تكتب في المكان المخصص، فيدهشك بسرعة رده ودقته. بعد دقائق، معبرا عن إعجابك، تسأل البرنامج عن النموذج الذي يستخدمه، فيجيب: تشات (جي بي تي). لحظة، ما الذي يجري هنا، ألست (ديبسيك)، ليجيب بلى. (ديبسيك) هو النسخة الصينية الجديدة من الذكاء الاصطناعي التوليدي الذي فاجأ العالم، فقد بني مستفيدا من تشات (جي بي تي) حتى يكاد يفقد هويته، لكن الأهم من أدائه الممتاز، أنه أقل كلفة ويقدم مجانا. هذا النوع من التطوير المتسارع الذي يعطي ميزة تنافسية للتقنية الصينية هو ما دفع ترمب الأسبوع الماضي للإعلان عن أكبر مبادرة للذكاء الاصطناعي بقيمة 500 مليار دولار. ستكوّن مبادرة ترامب شركة جديدة باسم (ستارغيت) يمولها بنك سوفت والذكاء الاصطناعي المفتوح (أوبن أيه آي)، وأوراكل. ستستثمر المبادرة مبلغ 500 مليار دولار في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي في جميع أنحاء الولاياتالمتحدة بحلول العام 2029م، مع التزام أولي قدره 100 مليار دولار. يخطط المشروع لبناء مراكز بيانات متعددة، بدءا من أبيلين، تكساس، ومن المتوقع أن يخلق أكثر من مئة ألف وظيفة. في حين أشاد بالإعلان عدد من المراقبين أنه مشروع يؤذن بتحول اقتصادي وتقني كبير، فقد أشعل المشروع نقاشا ساخنا حول جدواه وآثاره الأخلاقية ودوافعه الجيوسياسية، لا سيما في سياق سباق الذكاء الاصطناعي المكثف مع الصين. يمكن اعتبار مشروع (ستارغيت) استجابة مباشرة لتقدم الصين. بالاستثمار المكثف في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، تسعى الولاياتالمتحدة إلى الحفاظ على هيمنتها في هذا المجال سريع التطور. إضافة إلى المنافسة التقنية، يسعى المشروع إلى تعزيز الأمن القومي أيضا. تتمتع أنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدمة بتطبيقات عسكرية مهمة، بما في ذلك الأمن السيبراني والمراقبة والأسلحة ذاتية التحكم. في هذا السياق، يمكن أن يؤدي الفشل في مطابقة أو تجاوز تقدم الصين إلى ترك الولاياتالمتحدة في موقف ضعيف. رغم الرؤية الطموح، يواجه مشروع (ستارغيت) انتقادات كبيرة. فقد شكك المنتقدون في جدواه المالية. كما تساءل المنتقدون أيضا، ما إذا كانت الشراكة تملك التمويل اللازم حقا لتحقيق هدفها البالغ 500 مليار دولار. بدون شفافية مالية، يخشى المتشككون أن يكون المشروع فقاعة تشوش على مبادرات اخرى أكثر جدية وواقعية. من زاوية أخرى، لم تتضح حتى الآن الآثار البيئية التي تتطلب الاعتماد على ممارسات مستدامة، مثل استخدام مصادر الطاقة المتجددة لمراكز البيانات. علاوة على ذلك، يبدو تدخل الحكومة المباشر مصدرا آخر للقلق في غياب الأطر التنظيمية القوية لمعالجة التحديات الأخلاقية والقوى الاحتكارية في السوق. المثير للقلق أن الاستثمار الكبير يدفع بالعالم إلى سباق محموم في الذكاء الاصطناعي يشبه سباق الفضاء أثناء الحرب الباردة. ما أدى إليه سباق الفضاء من إنفاق ضخم وآثار اقتصادية وبيئية سلبية، يجب أن تكون دروسا من أخطاء حري بنا ألا نكررها اليوم.