في السابع عشر من سبتمبر الماضي، نشرت صحيفة (الحياة) خبرًا عن الطفل محمد الرويلي من مدينة سكاكا، والذي ظل قابعًا في الصف الأول دون تقدّم على الرغم أنه بلغ أحد عشر ربيعًا، وهو الأمر الذي دفع أسرته في البحث المضني عن أسباب ضعف تحصيله الدراسي، ومجاراة زملائه حتى تم تشخيصه في مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض بأنه مصاب بمرض «فرط الحركة، وتشتت الانتباه»، والمعروف عالميًّا بِ (ADHD، أو ADD) وهو إحدى فئات صعوبات التعلّم المتعلّقة بمشكلات جينية ووراثية تتسبب في تشتت الذهن بشكل سريع، وعادة ما يتّصف المصابون بهذا الداء بأنهم شديدو الذكاء، ولذلك لقَّبت (الحياة) هذا الطالب ب «آينيشتاين الرويلي» نسبة إلى أشهر المصابين بهذا الداء، وهو العالم الفيزيائي الفذ «ألبرت آينيشتاين» صاحب النظرية النسبية، والفائز بجائزة نوبل عام 1921م. صعوبات التعلّم هو مصطلح عام لعدد من الأصناف المتعلّقة، والمتدرجة إمّا بخلل بسيط في أداء المخ لوظائفه، أو بإعاقات سمعية، أو بصرية، أو ذهنية، وما شابه ذلك، وتكون ناتجة بشكل كبير عن أمراض جينية ووراثية تتسبب بشكل متفاوت في عدم قدرة الأطفال المصابين على التحصيل العلمي بشكل متكافئ مع الآخرين، وهو ما يجعلهم من الفئات التي تندرج ضمن ذوي الاحتياجات الخاصة. وفي المملكة يوجد قرابة التسعين مدرسة «حكومية وخاصة» بها فصول دراسية مخصصة لصعوبات التعلّم، ويوجد أغلبها في منطقة الرياض، ومكة المكرمة، والمنطقة الشرقية، ولكن على الرغم من هذا الوجود إلاّ أن الكثير من المختصين في مجال التعليم بتلك المدارس لم يتمكنوا من تشخيص أصناف صعوبات التعلّم، والتفرقة بين التأخّر الدراسي، وبين الإهمال، وبين صعوبة التعلم، بالإضافة إلى عدم وجود منهجية واضحة لاحتضان بعض فئات صعوبات التعلّم مثل المصابين بعسر القراءة (الديسليكسيا)، وأمراض فرط الحركة، وتشتت التركيز (ADD/ADHD) على وجه الخصوص، وإعطائهم حقوقهم الأساسية في التعليم، والرعاية الصحية والاجتماعية بشكل يساهم في تنمية قدراتهم، ودمجهم مع المجتمع بشكل طبيعي. وفي مطلع العام الجاري نشرت صحيفة (الرياض) تحقيقًا عن مرض فرط الحركة، وتشتت الانتباه بتاريخ 11 يناير 2011 وأشير فيه إلى أن نسبة المصابين بهذا الاضطراب في المملكة (12- 16%)، ونسبة العاجزين عن إكمال المرحلة الثانوية بلغت 30%، ومن ضمن هذا التحقيق أوضح الدكتور إبراهيم العثمان من قسم التربية الخاصة بجامعة الملك سعود بأن المشكلة تكمن بأن «نوعية الخدمات، وأدوات التشخيص المقننة غير مطبقة في البيئة التربوية، وإنما تقوم على جهود فردية من خلال ما يقوم به العاملون غير المتخصصين في الميدان التربوي»، وأشار أيضًا بأن وزارة التربية والتعليم لم تقدم الخدمات التخصصية لطلاب فرط الحركة، وتشتت الانتباه على الرغم من أنها قررت سابقًا فتح برامج تُعنى بهم انطلاقًا من العام الدراسي 1430ه، ولم يتم ذلك حتى الآن، كما صرحت أيضًا مديرة عام التربية الخاصة بوزارة التربية والتعليم سابقًا وعضو النظام الوطني للمعاقين الدكتورة فوزية محمد أخضر بأن هذه الفئات بحاجة إلى خدمات خاصة مفتقدة، وتختلف عن فئات أخرى مثل ذوي الإعاقة البصرية، والسمعية، والذهنية التي تقدّم لها الخدمات، مجمل التحقيق توصل إلى واقع المعاناة المستمرة في طرق التشخيص وصعوبات التعلّم، وتوفير العلاج. وفي 4 يونيو 2011 نشرت صحيفة (عكاظ) حوارًا مع الدكتورة سعاد يماني استشارية المخ والأعصاب ورئيسة مجموعة دعم اضطراب فرط الحركة، وتشتت الانتباه في مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض، وأشارت إلى خطورة نسبة المرض في المملكة، والذي يعاني منه أكثر من مليون و600 ألف طفل سعودي، بالإضافة إلى قلة الاهتمام الكافي في علاج هذه الحالات مبكرًا. وعلى المستوى العالمي، فإن نسبة أعراض بعض صعوبات التعلّم مثل عسر القراءة (الديسليكسيا) بلغت من 5 إلى 10%، أمّا بالنسبة للمصابين بشتات الانتباه (ADD)، أو فرط الحركة وشتات الانتباه (ADHD)، فقد بلغت نسبتهم من 3 إلى 5%. ولكن يتميّز الغرب بأنهم لا ينظرون إلى المصابين بالفئات المذكورة من صعوبات التعلّم بأنهم ذوو احتياجات خاصة فقط، وإنما يعتبرونهم ذوي «قدرات» خاصة، وذلك لارتفاع نسبة الذكاء لديهم بشكل فوق الطبيعي في الكثير من الحالات، وهو ما دفعهم لاعتبار ما أصابهم «نعمة»، وليس «نقمة»، وبالتالي ارتكزوا على تطوير قدرات المصابين، ودمجهم بشكل سلس مع المجتمع، ولا عجب إن كان «ستيف جوبز» -أحد الذين بهرونا بمنجزاتهم في مجال التقنية المعلوماتية- مصابًا في صغره بالديسليكسيا، وفرط الحركة، وتشتت الانتباه في آن واحد، ولا عجب أيضًا إن علمنا بأن «جراهام بيل» مخترع الهاتف، و»توماس أديسون» مخترع الإضاءة، و»والت ديزني»، والسير «ريتشارد برانسون» عانوا في صغرهم من تشتت الانتباه، وعسر القراءة. ولكن من الواضح أن معاناة الأسرة السعودية التي يُصاب أحد أبنائها بفئات من صعوبات التعلّم كبيرة، وذلك بسبب ضعف التشخيص، وصعوبة البحث عن مدرسة متخصصة تحقق المطلوب منها، واحتمالية الانتقال إلى مدن أخرى، أو خارج المملكة، ونقل الأبناء إلى الإقامة في مساكن تلك المدارس، وعناء تكاليف التنقل والدراسة، والعبء النفسي في البُعد عن الأهل. معاناة أمثال الطفل محمد الرويلي مستمرة، ويظل التساؤل: «أين يدرس أقران «آينيشتاين» الرويلي؟!.