"عندما كنت أصغر سناً، كنت محطاً لسخرية زملائي في المدرسة، وكان الجميع ينادونني ب"الكسول". وكانوا يتحاشون الجلوس الى جانبي على المقعد الدراسي، كما كانوا يتجنبونني خلال فترة الراحة في الملعب. وكنت اشعر دائماً بالغبن والظلم والدونية... حتى انني كنت اعتبر حياتي مجرد كابوس..."! بهذه الكلمات المقتضبة يختزل سامي المعاناة النفسية التي عاشها طوال فترة الطفولة. فخلال المرحلة الدراسية الابتدائية، ظهر للجميع وكأن سامي غير قادر على الإلمام بكل مهارات التلميذ الابتدائي، من حفظ الأحرف والتهجئة وتلاوة الأرقام بتسلسلها المنطقي، والتفريق ما بين الألوان وكذلك الاتجاهات... وطبعاً، فقد عزا الجميع هذا القصور في التعلّم الى تراجع في معدل ذكاء التلميذ وعدم قدرته على التركيز خلال الصف. كانت المشكلة الرئيسة الظاهرة، محدودية قدرات سامي على حفظ الأحرف واستعمالها في الشكل السليم الذي يتيح تشكيل عبارات واضحة ذات معنى محدد. فغالباً ما كان يخلط بين احرف تتشابه في طريقة اللفظ، كما انه يعمد الى كتابتها بطريقة معكوسة، فيباشر كتابة كلمة باللغة العربية من الشمال باتجاه اليمين، اي كما تظهر معكوسة من خلال النظر إليها عبر المرآة. وتسمى هذه الظاهرة "بطريقة المرآة". كان الأمر يزداد سواء كلما ارتقى الى صف مدرسي اعلى. ولأنه عانى الأمرّين فقد ارتأى اهله ان يصحبوه الى طبيب نفساني معالج. وعندها اكتشفوا ان سامي لم يكن يتحمّل مسؤولية تخلُّفه الدراسي. فقد كانت مشكلته خارجة عن نطاق إرادته او قدرته على السيطرة عليها. كان يعاني "عسراً في الكتابة"، هو من نوع "ديسلكسيا، Dyslexia مرده خلل عصبي في الدماغ... ويبلغ سامي حالياً الثالثة عشرة من العمر، وقد بلغ الصف السادس من التعليم الأساس. ويواظب على حضور دروس خصوصية في احد المراكز المختصة بالأطفال الذين يعانون هذه المشكلة. أكثر لدى الذكور؟! ولفتت د. لينا بيضون اختصاصية العلاج النفسي الى ان عسر الكتابة او القراءة او الحساب، هو اضطراب عصبي ناتج من خلل في الربط بين الجزءين الأيسر والأيمن من الدماغ. حيث تكون الإشارة العصبية بطيئة لدى الولد الذي يعاني الديسليكسيا وما يشابهها. ولا تصل الإشارة بسرعة الى الدماغ لكي تعطي الأمر بالقراءة والكتابة. وتعني كلمة ديسلكسيا الاضطراب في اللغة، ويمكن ان يكون اضطراباً بصرياً او سمعياً. فقد يعاني الولد صعوبات في الكتابة او القراءة او في الاثنتين معاً. وبالنسبة الى الديسلكسيا السمعية، فقد يكتب خلال الإملاء عليه بعض العبارات، حرف ال"ط" بدل ال"ق"، او ال"ك" بدل ال"ت"... وبذلك عادة ما يخطئ بين احرف عدة متشابهة لفظاً. وفي حال الديسلكسيا الكتابية، فهو عادة ما يكتب بحسب "اسلوب المرآة". فيبدأ بكتابة العربية من الشمال باتجاه اليمين. وتشير الى ان اسباب الديسلكسيا قد تكون وراثية. ومن اللافت ان هذا الخلل اكثر شيوعاً لدى الذكور منه لدى الإناث. الى ذلك، قد تترافق الصعوبات التعليمية مع حالات صحية اخرى مثل الصرع والتوحد والاكتئاب وغيرها. ومن الناحية النفسية، عادة ما يعيش الأولاد الذين يعرفون صعوبات تعليمية في حال من القلق والاضطراب، ويشعرون كأنهم يبذلون جهوداً مضاعفة في الدرس، وكذلك تُمارس عليهم الكثير من الضغوط، وقد يعنّفون سواء من الأهل ام من المدرّسين. وبحسب بيضون، يجب التنسيق مع الأهل وكذلك المربين لكي يعتمدوا مع هؤلاء الأولاد على التلقين الشفهي، وتوجيههم الى مختصين. وتنبّه الى ضرورة تقبل الأهل ان طفلهم "اقل قليلاً" في الذكاء من اقرانه. حركة زائدة وتشتت لم تتأخر عائلة كريم في البحث عن مصدر العلة التي جعلت قدرات ولدها الدراسية محدودة. وفي عمر السابعة، شُخّصت حال كريم باعتبارها نقصاً في الانتباه، مع إفراط في النشاط والحركة. ويعيش كريم في كنف اسرة مؤلفة من اربعة اولاد. وهو في الصف الثاني من التعليم الأساسي، وتتجلى مشكلته الأساسية بكونه ينسى دروسه ويحتاج الى مساعدة مباشرة حتى يتمكن من النجاح في المدرسة، وإن كان مستواه التعليمي يؤكد انه جيد في مواد العلوم واللغات، إلا انه لا يعرف الطرح وينسى كثيراً مواد الحفظ. يصعب على كريم البقاء في مكان واحد. لا ينتظر دوره في المجموعة ويسارع للإجابة قبل الانتهاء من طرح السؤال. لا يطبّق التعليمات. يقاطع ويتدخل بأعمال وبحديث غيره ولا يعتني بترتيب دفاتره. سريع الاستثارة والغضب. وفي الاختبار النفسي، تبين ان كريم يفتقر الى النضج النفسي، يحتاج الى تكوين هوية ذاتية، كما يلزمه التمييز بين دور الأنثى ودور الذكر، وهو شديد التعلق بأمه وإخوته... وخلُصت نتائج اختبار الذكاء الى انه متوسط الذكاء، غير انه بحاجة الى متابعة اختصاصي في تدريس هذه الحال. ويصلح كريم نموذجاً لمرض "نقص الانتباه - الإفراط في الحركة" Attention Deficity Hyperkine Syndrome. واللافت في حالات هؤلاء الأولاد محدودية ما يكتسبونه عادة من ذكاء اجتماعي ومعلومات عامة. علماً انهم يحفظون الكثير من الأغاني! ويبدي المصابون ب"نقص الانتباه - الإفراط في الحركة" تعلقاً زائداً بأمهاتهم، وهم غالباً عصبيون وملحاحون. وإذا خافوا يكون خوفهم شديداً، اما اذا كانوا عدوانيين فقد يصلون الى مرحلة الانحراف، غير ان هذه الحالات تتحسن وتخف حدتها مع العلاج. ويمكن تعريف "الذكاء" بأنه القدرة على التكيُّف والتعلُّم واستعمال ما هو مكتسب لمجابهة وضعيات جديدة وحل مسائل صعبة جديدة، فضلاً عن القدرة على استعمال التجريد والرموز. ولا بد من ان نعرف ان هؤلاء الأولاد عادة ما يكونون "أسوياء"، ولكن تركهم من دون علاج، يخفض نسبة الذكاء لديهم ويفقدون بالتالي المقدرة على التعلّم المناسبة لعمرهم. وتؤكد بيضون انه في حالات "إفراط الحركة" لا بد من ان يمتنع الولد عن تناول انواع الحلويات والشوكولا التي تحوي مواد تدخل في تكوينها انواع من المنبهات.