للثقافة صلةٌ قوية بالإنسان منذ بدأ في إدراكه الحسي وما ينبئه حدسه؛ حتى كادت أن تكون غريزة أساسية. ولكن في كل الأحوال ليست مرتبطة مع أي إنسان، وهنا أعني الثقافة الواسعة والعميقة فهي مع أصحاب العقول المنشغلة في التفكير والفلسفة. الفلسفة بحرٌ شديد الأمواج وبابٌ لمناقشاتٍ لا نهاية له قد تقذفكَ ذات اليمين تارة وذات الشمال تارة أخرى، وقد تعتزلها وتعلن انسحابك منها لما فيها من صعوبة؛ خاصة فيما يتعلق بالماهيات والجدليات. والأجدر أن تثقل موازينك بالمعرفة خيرٌ من الانصراف عنها، خاصة إذا كنتَ في بيئةٍ مزدهرة بالثقافة كمدينة الرياض وباقي مدن المملكة تعيش في حالة رفاهية وأمان تستدعي لاستحضار كتاب فلسفي أو أي منهج يناسب البيئة الثقافية المنهمكة على حدثٍ جديد حيث لا تزال في عنفوانها الثقافي؛ فالعواصم إذا تهيأت لها السبل نحو بيئة حاضنة للثقافة سوف تزخر بالعلماء، وتكون بالضرورة مدينة عصرية تستقطب من كل أنحاء العالم من طلبة علم ومعلمين وباحثين، ولا يكون هذا الثراء إلا بوجود أمانٍ ورخاء يسبق الحدث. فمقاهي الرياض الثقافية اليوم أحدثت طفرة هائلة بالرواد من المثقفين والأدباء، وهذا يدل على ازدهار ثقافي متصاعد. فبعض الشعوب يتلهف صفاؤها الذهني بحثًا عن المعرفة في وطنٍ يجدون فيه الراحة والأمان لبلوغ ضالتهم الثقافية بيسر وسهولة. لا شك أن الأمان يهيئ بيئة حضارية وثقافية تستقطب كل العوالم، ونجاح هذه الفعاليات نابعة من الروح المعنوية العالية. فالأندية الأدبية قطعت شوطًا نحو بناء الأسس الثقافية والمعرفية لمد جسور التقاء الثقافات المتنوعة نحو نطاق واحد في معرفة أغوارها فهم ديناميكيات الحضارات الإنسانية المرتبطة بزمانية وجودها. وها هي المقاهي الثقافية بالشراكة مع الشريك الأدبي ودعم متواصل من وزارة الثقافة لمواصلة الطريق الثقافي المعنوي بمفهوم جديد وعصري يستقطب كل الأجيال بشرائحه الاجتماعية ومفاهيمه المعرفية تتكللها جهود نخبوية ثقافية تسعى لهندسة وترسيخ المعرفة العلمية. لتستمر الرياض على نهجها الثقافي الحالي مع ديمومة التطور؛ مؤكدًا ستدخل التاريخ كما دخلتها بلاد الأندلس وبغداد اللتين كانتا تعج بالمجالس الثقافية والمساجلات الأدبية، ففي الأندلس كان عار على من لا مكتبةَ له في بيته تُزين داره وإن كان غير مثقف. والمملكة بكل مناطقها تزخر بمكتبات عامة وخاصة ومعارض دورية للكتاب.