رابطة المقاتلين المحترفين تُعلن موعد انطلاق الموسم الثاني PFL MENA بجدة    القوات الخاصة لأمن الطرق.. أمان وتنظيم لرحلة إيمانية ميسرة    رمضان في العالم صلوات وتراويح وبهجة    برانكو: ستكون مباراة مثيرة.. ورينارد يمتلك الخبرة    ممتاز الطائرة : مواجهة حاسمة تجمع الاتحاد والنصر .. والخليج يلاقي الهلال    الأخضر للعودة بعبور محطة التنين    نائب أمير تبوك يهنئ القحطاني    رمضان في جازان.. تراث وتنافس وألعاب شعبية    منشدون يستقبلون زوار بسطة خير    عام على تفعيل مسار بدر التاريخي    شركة الغربية تحتفل بتخريج المشاركين في برنامج القيادة التنفيذية بالتعاون مع أمانة جدة    2611 بلاغا وحالة إسعافية بجازان    مطالبات تحت المجهر.. توسع المجاردة ونطاق عمراني لبارق    نائب وزير الخارجية يلتقي وزير خارجية جنوب السودان    7800 مستفيد من المناشط الدعوية بمسجد قباء    جامعة الملك سعود تُطلق مبادرة لاستقطاب طلبة الدراسات العليا المتميزين    250 ألف ريال غرامات على الشاحنات الأجنبية المخالفة    مكافآت طلاب عسير 28 من كل شهر ميلادي    رئيس وزراء إثيوبيا يستقبل نائب وزير الخارجية    مدرب الصين: أعرف منتخب السعودية جيدًا.. وقادرون على الخروج من الرياض بنتيجة إيجابية    باول: من السابق لأوانه قياس تأثير رسوم ترامب الجمركية على التضخم    ضبط 5 أشخاص في الباحة لترويجهم الحشيش والإمفيتامين    الاحتلال الإسرائيلي يعيد فصل شمال قطاع غزة عن جنوبه    التأكيد على ضوابط الاعتكاف وتهيئة المساجد للعشر الأواخر    خالد بن سعود يستقبل قائد حرس الحدود بتبوك.. ويطلع على تقرير "هدف"    مسجد بني حرام في المدينة.. تطوير وتجديد    نائب أمير جازان يكرّم الفائزين بجائزة "منافس"    لبنان يغلق أربعة معابر غير شرعية مع سورية    دمت خفاقاً.. يا علمنا السعودي    مباحثات أمريكية - روسية فنية في الرياض بشأن الحرب بأوكرانيا    نائب أمير مكة يرأس اجتماع «مركزية الحج».. ويدشن الدائري الثاني    إنفاذًا لتوجيهات خادم الحرمين وولي العهد.. وصول التوءم الطفيلي المصري إلى الرياض    رئيس الوزراء الباكستاني يصل إلى جدة    المسار الرياضي.. وجهة رياضية وترفيهية تعزز جودة الحياة في رمضان    "الأرصاد": أمطار رعدية غزيرة وسيول متوقعة على عدة مناطق بالمملكة    رأس الاجتماع السنوي لأمراء المناطق.. وزير الداخلية: التوجيهات الكريمة تقضي بحفظ الأمن وتيسير أمور المواطنين والمقيمين والزائرين    وزير الداخلية يرأس الاجتماع السنوي ال32 لأمراء المناطق    السعودية بوصلة الاستقرار العالمي (1-3)    «سنتكوم» تحذر من نهب مستودعات برنامج الأغذية العالمي في صعدة.. استيلاء الحوثيين على المساعدات الإغاثية يفاقم أزمات اليمنيين    استقطاب كبرى الشركات اليابانية في الترفيه    الخوف من الكتب    فيتش: تحسن محدود لمؤشرات البنوك    الغياب الجماعي للطلاب.. رؤية تربوية ونفسية    "التعليم" تعلن القواعد التنظيمية لبرنامج فرص    الاتحاد يعبر القادسية الكويتي في نصف نهائي غرب آسيا لكرة السلة    "الحياة الفطرية": لا صحة لإطلاق ذئاب عربية في شقراء    المملكة تدين وتستنكر الهجوم الذي استهدف موكب رئيس جمهورية الصومال الفيدرالية    نائب أمير منطقة جازان يكرّم الفائزين في مسابقة الملك سلمان المحلية لحفظ القرآن الكريم    قطاع ومستشفى بلّسمر يُنفّذ حملة "صم بصحة"    ديوانية غرفة تبوك الرمضانية بوابة لتعزيز الشراكات وترسيخ المسؤولية الاجتماعية    الفطر سلاح فعال ضد الإنفلونزا    النقد الأدبي الثقافي بين الثوابت المنهجية والأمانة الفكرية    دعوات ومقاعد خاصة لمصابي الحد الجنوبي في أجاويد 3    الكشخة النفسية    إقبال على دورات الإنعاش القلبي    تبقى الصحة أولى من الصيام    محافظ الطوال يشارك في الإفطار الرمضاني الجماعي للمحافظة    العلم الذي لا يُنَكّس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثقافة العربية ودورها في الإغناء المعرفي
نشر في الحياة يوم 23 - 04 - 2016

تقتضي الإضاءة على دور الثقافة العربية في الإغناء المعرفي، انطلاقاً من مخزونها التراثي الراسخ. وقبل الحديث عن الثقافة ودورها في هذا الإطار، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ هناك ثقافات متعدّدة سبقت الثقافة العربية من حيث حضورها التاريخي. وإذا كانت بعض الأماكن شهدت بزوغ ثقافات فاعلة نتيجة انتشار حضارتها ورواج لغاتها، فإنّ ذلك يدلّ على مدى الفاعلية التي تتركها الثقافات الحيّة في عملية إغناء الفكر البشري، وإثراء القواعد المنهجية لرسم آفاق المعرفة التي تعتمدها الدول لمناهجها وتحضيرها لاستيعاب ثروة العلم التي يشهدها العالم المتحضر اليوم.
والسؤال الذي يُطرح: هل يمكن ثقافتنا العربية أن يكون لها هذا الدور الفاعل والحضور المميز في مجتمعاتنا العربية لإحداث تغيير نوعي ومنهجي يواكب عصر التحوّل في كافة ميادين العلم والمعرفة؟ برأيي، إنّ للثقافة العربية الإسلامية خصوصيّتها التي مكّنت العرب من تعميم انتشار اللغة العربية في جميع المناطق التي دخلوها، والتأثير الذي أحدثته في كافّة مجالات التحول الحضاري لتلك المجتمعات. كأداة للتحول الحضاري، وتخطّي العوائق للمضي قدماً نحو بناء المستقبل الواعد.
وقبل شيوع الثقافة العربية، عرف العالم القديم انتشار الثقافتين اليونانية واللاتينية اللتين استفادتا مما سبقهما من الثقافات المصرية القديمة وثقافة بلاد ما بين النهرين. وأدّى التفاعل مع تلك الثقافات إلى إثراء المجتمع الإنساني على صعيد المناهج والأدب والفلسفة والشعر والتاريخ، ويجب أن لا ننسى في هذا الإطار انتشار ثقافات قديمة كان لها دورها البارز على الصعيد الحضاري، كالثقافة الهندية والفارسية والفينيقية التي أعطت العالم أبجديتها المعروفة. إنّ ذلك يقودنا إلى الإقرار بأنّ دور الثقافات وتطورها وتأثيرها خلال عصور التاريخ، مرتبطة بعملية التفاعل والتواصل التي كانت تربط تلك الثقافات بعضها ببعض حتى أنّ كل ثقافة تأخذ عما قبلها وتعطي ما بعدها.
والسؤال الذي يجب أن نطرحه، ما هو دور وموقع الثقافة العربية في عالم يسوده انتشار ثقافات لها خصوصيّاتها ومميّزاتها الحضارية وبُعدها العالمي في عصر العولمة؟ قبل الإجابة عن هذه الأسئلة لا بدّ من التأكيد أنّ للثقافة العربية خصوصيّتها التي مكّنت العرب من تعميم انتشار اللغة العربية في جميع المناطق التي دخلوها فاتحين، ففي المناطق المفتوحة نزل الكثير من سكان الأماكن غير المسلمين الحواضر العربية وامتزجوا بها واشتركوا في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية الجديدة، وقد شمل الامتزاج كل نواحي الحياة ومختلف العلوم والطب والهندسة وعلم الفلسفة والبناء والعمران...
ولم تحل الفروقات الدينية دون تكوين مجتمع سرعان ما تكلم العربية وأصبح جزءاً فاعلاً في إغناء الثقافة العربية يكتب بلغتها الكثير من المؤلفات ويرسم قواعد بمنهجية عليمة طالت مختلف أنواع العلوم العلمية والإنسانية، مما قاد إلى تعريب لغوي ونوعي وإلى ظهور حضارة عربية زاخرة تجلّت في بروز الكثير من العلماء وانتشار سريع لمختلف العلوم العقلية بفروعها كافة.
وقد ربطت الثقافة العربية كل البلاد برباط معنوي قوي دفع الكثير من سكان الأديان الأخرى إلى الاشتغال بالعلوم والآداب والطب والفلسفة والترجمة. وظهر من بينهم الكثير من العلماء والمفكرين. ويحضرني ما قاله بعض المستشرقين الأوروبيين عن الدور الذي لعبته الحضارة العربية في بعض المجتمعات الأوروبية، إذ يذكر ساريتو في كتابه الحضارة: إنّ ما أتت به الحضارة العربية في باب العلم، ولا سيما العلوم وتطبيقها أعظم بكثير مما أتت به في هذا السبيل الدولة البيزنطية، إذ إنّ الحضارة البيزنطية لم تأت بفكر جديد».
أما في الأندلس، فلقد كان للثقافة العربية أثرها البالغ الذي امتد إلى العلماء المسيحيين الذين أقبلوا من أنحاء أوروبا لتلقي العلم في حواضر الإسلام الأندلسية.
وقد أشاد الأب اليسوعي الإسباني جوان أندريس بفضل العرب المسلمين على الحضارة الأوروبية وثقافة عصر النهضة، إذ إنّه نشر بالإيطالية في بارما (1782 – 1799 م ) كتاباً جليلاً في سبعة مجلدات تحت عنوان «أصول كل الآداب وتطورها وأحوالها الراهنة» وفيه أكّد أنّ النهضة التي قامت في أوروبا في كل ميادين العلوم والفنون والآداب والصناعات مردها إلى ما ورثته عن حضارة العرب المسلمين.
وعلى هذا يمكننا القول إنّ الحضارة ذات الطابع العربي الإسلامي هي التي أثّرت في أوروبا، فلقد تميّز العرب المسلمون بصفات صبغت مؤلفاتهم العلمية بصبغتها وسمت بها إلى مستوى أسمى من مستوى سابقاتها، بل نقلتها إلى أعتاب مرحلة جديدة مهّدت لبزوغ الحضارة الأوروبية. وقد شقّت هذه المؤلفات طريق البحث العلمي الذي كان له الفضل الكبير في قيادة أوروبا إلى آفاق حضارتها المدنية، وأهمية ما قام به العرب هو أنّهم وضعوا أوروبا في أول طريق التقدم الحضاري وزودوها بأدوات النجاح للوصول إلى الغايات الحضارية.
وحفلت مدن الأندلس قرطبة وإشبيلية وملقة وغرناطة بجامعاتها التي كانت تقوم بنشاطات متنوعة، أحدها يشبه ما يقام من نشاط ثقافي أو مواسم ثقافية في بعض الجامعات العصرية وغيرها من الوسائل. وإلى هذه الجامعات الأندلسية، كان يفد ألوف الطلبة من أوروبا وغيرها الذين حملوا علومها إلى بلدانهم وبالتدريج ظهرت آثارها في مختلف جوانب الحياة حتى كللت الترجمة هذا النشاط . كما أنّ عدداً من الأساتذة المسلمين في فروع العلوم المختلفة درسوا في بعض الجامعات الأوروبية كجامعة مونبلييه جنوب فرنسا.
وفي حديثنا هنا عن الدور الحضاري للثقافة العربية، فإنّنا لن نتعرض لدراسة فروع المعرفة وألوان الثقافة والإنتاج العلمي، وإنما يعنينا بعض جوانبه وظواهره ومعالمه التي تقدم لنا صورة مهما كانت سريعة وعابرة ومختصرة، فهي تفصح عن نوعية تلك الثقافة وتعدد ميادينها واستجلاء آفاقها في شمول واسع. وتبيّن مستواها وأصالتها مستندة في ذلك إلى أسس وقواعد نشأت في ذلك الجو العلمي الذي أوجدته البيئة الثقافية الحاضنة لها، وتمثل الثقافة العربية الإسلامية والعلوم المتنوعة التي نمت عند العرب المسلمين جانباً شمل كل الميادين التي كانت معروفة شذبتها ووجهتها وتقدمت بها في منهجها الخيّر وطريقها الفاضل.
ولهذا شاع أثر الثقافة العربية لدى جميع سكان المناطق التي دخلت في حوزة المسلمين، من خلال المصنّفات العلمية والأدبية التي راجت وكثر التداول فيها.
وهنا تبرز أهمية الثقافة التنويرية في مفهومها العصري كأداة لتجاوز الواقع المتخلّف وتخطّي العوائق للمضي قدماً نحو المستقبل، تحقيقاً للذات في إطار الإنسانية من حيث طرح موضوع الثقافة التنويرية في إحداث النقلة النوعية المميزة في العديد من المجتمعات العربية.
وهنا لا بدّ أن نتوقف عند بعض المحطّات التاريخية التي رافقت تطور المجتمعات الأوروبية كتلك التي حدثت في فرنسا مع بروز عصر النهضة وما رافقها من تحوّل حضاري مهم أسهم به العديد من المفكرين وأصحاب الرأي الفرنسيين بما اصطلح على تسميته بعصر التنوير في فرنسا والذي شمل العديد من البلدان الأوروبية، كإيطاليا وإسبانيا وما تبعه من بروز أنماط في التفكير الذي أشاع جواً من المناخ العلمي والعقلي ميّز الحياة الأوروبية ونتجت منه ثورة علمية أحدثت انقلاباً جذرياً في بنية المجتمع الأوروبي حفل بالمنجزات العلمية والتكنولوجيا الهائلة.
هذه الإنجازات العلمية وهذا التحول النوعي هما وليدا الثقافة التنويرية التي شاعت بفضل إسهامات رجال النهضة الأوروبية أمثال مونتسكيو وديديرو وفولتير. ولئن حدث هذا التحوّل الذي عرفته مجتمعات الغرب الأوروبي بفضل ذلك النتاج الثقافي التنويري، فهل لثقافتنا العربية أن تتمثّل وتقتدي بما أنجزته الثقافة الأوروبية حتى تتمكّن من إحداث النقلة النوعية داخل المجتمع العربي؟
إنّه من البديهي القول إنّ ثقافتنا تنعم بمخزون فكري ثمين غني بالإنجازات الحضارية التي ساهم بها الأدباء والمفكّرون اللبنانيون والعرب في مختلف العصور. وكي تنمو هذه الثقافة وتزدهر، يجب أن لا تبقى معزولة عن ثقافات شعوب العالم، بل يجب أن تتكامل معها فتنفعل بها وتتفاعل معها لأنّ غاية كل ثقافة هي المساهمة في تنوير المجتمعات والعمل على تخطي حال الجهل والتخلف وإرساء القواعد المعرفية التي هي جزء من حركة التقدم الكوني.
وغني عن القول إن الثقافة العربية هي أصيلة، إلا أنّ حاجتها للتجدّد في عالم التنور تفرض عليها مزيداً من المساهمة الفاعلة لتتمكّن من أداء دورها الريادي بغية تنوير المجتمعات وترشيدها بما يكفل لها الارتقاء في سلم الرقي والتقدم. كما أنّه ليس مقبولاً أن تركن الثقافة العربية في مكانها وتكتفي بالتغني بإنجازات الماضي، بل عليها أن تواكب حركات التقدم الذي بلغته الثقافات الأخرى وأن تتفاعل في شكل خلاق مع كل الإنجازات العلمية والفكرية التي ساهم فيها مثقفو الأمم الأخرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.