لم يكن الملحن "ناصر الصالح" عادياً مثل بقية سائر الملحنين في الوطن العربي، لكنه كان منذ مطلع بروزه مغنياً من ألحانه، يخبر أن هناك فكرة مختلفة عن الآخرين، حيث شكل الموروث الذي تركه والده أثراً عميقاً يتلخص في تكوين الشخصية الفنية. لقد ولد ناصر بن صالح بن خالد المحسن في الأحساء شرقي السعودية في مطلع يونيو 1961، حيث نشأ وسط أسرة فنية، كان والده يملك محلاً لبيع الأسطوانات وإنتاجها في ذلك الوقت، والتي كانت مجمعاً لأصدقاء والده من الفنانين والشعراء، أمثال عيسى الأحسائي والشاعر محمد الجنوبي وعبدالله الجنوبي وطاهر الأحسائي وغيرهم من رموز الأحساء الفنية، هذا التأثير والعلاقات الاجتماعية، كان لهما تأثير مباشر في تكوين شخصية ناصر الصالح. كانت الفكرة أن يبدأ ناصر الصالح حياته الفنية بالشكل الذي تكون في داخله، من حفظ للموروثات الفنية وما كانوا يغنون قبل هذا الجيل، في بداية الثمانينات الميلادية من القرن العشرين، ظهر فجأة في أحد برامج التلفزيون، كان الظهور مع طلال مداح ورابح صقر وغيرهما، كان مغنياً حينها من ألحانه هو، لكن الفكرة كانت تدور في رأس "ناصر" أن يبرز بشكل مختلف، لذلك بعدما قدم مجموعة من الأغاني، كان من بينها ألحان صالح الشهري -رحمه الله- تحول إلى ملحن، شيئاً فشيئاً حتى تحول ملحناً أسطورياً، هذا التشكيل السابق، هو ما جعله منافساً كبيراً في الساحة الخليجية مع عدد من المغنين أمثال عبدالمجيد عبدالله وعبدالله الرويشد ومحمد عبده ونوال "الكويتية"، وراشد الماجد وأصالة نصري وغيرهم. من هناك قدم العديد من الألحان المميزة التي لاقت استحسان الجمهور والنقاد على حد سواء، كما تميز أسلوبه بالتجديد والتنوع، وبلون موسيقي مختلف. هناك الكثير من الألحان التي قدمها بأصوات الفنانين، من بينهم فنان العرب" محمد عبده، منها "أعترف لك، بنت النور، الأماكن"، هذه الأخيرة تغنت في حناجر الفنانين على مستوى الوطن العربي، وترجمت فرنسياً لتغنى في دار الأوبرا هناك. وأعمال كثيرة، من بينها للفنان عبدالمجيد عبدالله في "أنت عمري"، و"تعبت" لراشد الماجد، و"يا مغرور، أبيك، الا بزعل، أنا بخير، قول أحبك، أنت طيب وغيرها" لنوال "الكويتية"، وكذلك لحن لأصالة نصري "أسأل عليك"، وأحلام الشامسي في أغانٍ كثيرة من بينها "أكثر من أول أحبك، وغيرها، وأيضاً يارا من لبنان في أغنيتها الشهيرة "صدفة" كما ساهم أيضاً في دفع عجلة الصوت الغنائي والشعراء من خلال تبنيه عدداً من المواهب وتقديمهم للساحة الفنية من بينهم، عبدالله بو رأس، وخالد العوض، وعبدالله عبدالعزيز، ويارا وآخرون. إضافة إلى إسهاماته، في الأناشيد الوطنية والأغاني الرياضية. عندما اختير ملحناً لأوبريت «رواد السلام» وأوبريت «وطن المجد» لمهرجان الجنادرية عام 2005، بالإضافة إلى أغانٍ رياضية مثل «التعاون مابوه مثله» لنادي التعاون، و«متصدر لا تكلمني» لنادي النصر السعودي، والتي أصبحت أيقونة لكل من يتصدر الترتيب. ناصر الصالح من أواخر جيل العباقرة في اللحن الموسيقي، حيث ترك إرثاً فنياً غنياً سيظل خالداً في ذاكرة محبي الموسيقى. بينما هذا النموذج من اللحن يبين عمق شخصيته المتواضعة وإيمانه بأهمية الموسيقى في تعزيز التواصل الثقافي بين الشعوب.. رحل ناصر الصالح عن عمر "63" عاماً، لكنه أثر بشكل مباشر رغم قسوّة الزمن وصراع مع المرض، هذا التأثير في تشكيل اللحن الشعبي، تاركاً إرثاً فنياً عميقاً، سيظل خالداً في مسيرة الفن بالمملكة. ناصر الصالح -رحمه الله- برفقة عبدالمجيد عبدالله وراشد الماجد أثناء تقديم أبوريت الجنادرية