من أغرب المفاهيم التي أفرزتها ممارسات الرقابة المالية في العلوم الإدارية مفهوم أطلق عليه محاصرة التكلفة من المهد إلى اللحد، وفي ربط ذي علاقة لفت نظري مؤخراً مقابلة تلفزيونية أجريت مع المهندس مطلق المرشد الرئيس التنفيذي لحديد لقب "قاتل التكاليف"؛ وفي تسليط الضوء أكثر على هذا المفهوم محاصرة التكلفة من المهد إلى اللحد، رغم غرابة هذا المصطلح الأدبي والكناية البلاغية البعيدة عادةً عن التعبيرات المالية، إلا أنه بهذا الوصف يشير إلى رفع راية تتبع منهجية شاملة تجفف منابع الصرف وتقضي عليها، لذا نجد كثيراً من طلبات الميزانية تواجه بالرفض أو تعاد لخفض الكمية، أو تأجل لسنوات قادمة، أو تفكك للتجزئة على مراحل، وكثيراً من الميزانيات المطلوبة تتعرض لحالة من التجاهل، وقد تشطب إن كانت مخططة في آخر السنة لتجميل إعلان الربحية، وغالباً ما يكون السبب مزاعم سياسة شد الحزام ووقف الهدر، وهنا تستحضر الإدارة مقولة (يلقيه في اليم مكتوفاً، ويقول إياك أن تبتل بالماء)، وتخضع راغمه للجو العام وتأجيل ميزانية الاحتياجات الأساسية حتى إشعار آخر.. ووقوفاً على مسافة واحدة من كلا الطرفين (قاتل التكلفة ومستنزفها) أرى أن هناك سبلاً وطرقاً فعالة تستطيع أن تشكل بدورها خط دفاع أمام الميزانية المطلوبة ومضاداً حيوياً يواجه قرارات الإلغاء يأتي في مقدماتها "القدرة على الارتباط الاستراتيجي"، فكلما كانت النتيجة النهائية للصرف مؤداها التلامس مع هدف استراتيجي عام يكون قبول الميزانية أمراً أكثر سهولة، وهذا يضعنا أمام حقيقة ضرورة الفهم العميق للأهداف الاستراتيجية المتفق عليها لفهم موقع الاحتياج أو الميزانية المطلوبة من هذا الهدف، وكيف يكون رافداً من روافد تحقيق الهدف الاستراتيجي. ويدعم تمرير طلب الميزانية أيضاً تسليط الضوء على حقيقة الوضع الراهن، وفجوة بين ما هو مأمول، وحقيقة ما هو معمول، واستدعاء (المقارنات المعيارية Benchmark)، وما يحدث في منظمات مشابهة محلية أو دولية توضح ضرورة التغيير للمنافسة والتطوير. كما أن "القياس المنطقي للنتائج المتوقعة" يلعب دوراً هو الآخر قي قبول صناع القرار للميزانية المطلوبة وتتبع الأثر المالي وتقدير العوائد المتوقعة في المستقبل ومقابلة هذا بهذا، ويبقى مؤشر العائد على الاستثمار ROI أكبر مؤشر مقرب للماليين ينادون بتوضيحه مع كل طلب ومن أهم ركائز دعم القرار لديهم، علماً أن العوائد ليس من الضرورة أن تكون عوائد مالية كمية، فقد تكون نوعية غير مالية كرضا العملاء، وسلامة الأرواح، وحماية الممتلكات، وتحسين الصورة الذهنية، أو استجابة لمتطلبات تشريعية ملزمة، هنا يكون القياس للعوائد وتحويلها لمؤشرات رقمية أمراً أكثر صعوبة؛ ومحامي الدفاع سيبذل جهداً مضاعفاً للدفاع عن قضيته، وقد ينجح ويحصل على ما يريد، أو يخرج ينادي هو الآخر بسياسة شد الحزام وقتل التكلفة.