تساؤل أزلي: كيف لنصٍ أن يحكي ذاتًا؟ وكيف لحروفٍ أن تُجسد حياةً؟ أليس هذا ضربًا من الجَلل؟ الكتابة ليست مجرّد كلمات على الورق، بل هي أداة تلامس الذات. والحروف، إن بدَت صامتة، فهي تحمل بين دفتيها عالمًا من ورق، وأرق، وودق. حين نستحضر ما خطّته الأقلام، نجد التدوين وسيلة لنقل الحيوات، وتناقلها عبر الأزمان. فمن النقوش الجاهلية إلى المعلقات، ومن خُطاطات الورق إلى المدونات الرقمية، الزمنُ متغيّر، لكنّ السرائر متشابهة؛ لأن ما بين الحروف (نحن). تلك الحروف، وإن قيل إنها خرساء، فصداها يصدح في أرواحنا. التدوين ليس مجرد كلمات تُخطّ، إنما سفينة تُبحر بنا في أمواج المشاعر، ترسو على شواطئ الراحة أحيانًا، وحينًا تتوه في عاصفة الأفكار! ففي كل نص نكتبه، نرسم خريطة ذاتنا، ونُعزّز إمكانية ملكتنا، ونُحيي تُراث أقلامنا. اكتب، يا ابن القلم، فإن الحرف إن جرى سال كالنهر، وإن صدح كان كالوتر، وإن نُقش صار نقشًا على الحجر. كل حرفٍ تخطّه هو خيطٌ يُنسج في نسيج الخلود، فحين تُعبّر، تَعبُر. تعبُر من ظلمة الصمت إلى ضوء البوح، ومن زحمة القلب إلى فسحة الأثر. لذا، عبّر تعبُر. عبّر وسَتَعبُر إلى حيث لا ينطفئ الأثر.