تراجعت أصول الصناديق الاستثمارية إلى 160 مليار ريال بنهاية الربع الثالث 2024 بنسبة 34% من قمتها التاريخية المسجلة في الربع الثاني من عام 2021 فما هي أسباب هذا التراجع الحاد الذي حدث في ظل نمو أصول القنوات الاستثمارية الأخرى؟ بلا شك أن الفرص الاستثمارية التي أتيحت للمستثمرين خلال السنوات الماضية كانت مغرية ومنخفضة المخاطر وليست بحاجة إلى الاستعانة بخبراء الاستثمار، وتحديداً الاستثمارات في الودائع الزمنية والادخارية أو الصكوك والسندات، حيث ارتفعت عوائدها السنوية إلى حوالي 6% وهذه النسب الجيدة مع مخاطر منخفضة جداً كانت كفيلة بتوجه المستثمرين إلى هذه الأدوات الاستثمارية، كما أن فتح سوق الصكوك والسندات للتداول اليومي ساهم في استقطاب أعداد جيدة من المستثمرين الأفراد، ولكن مع خفض أسعار الفائدة بنهاية العام الماضي يبدو أنها دفعت بعض المستثمرين إلى العودة مرة أخرى للصناديق الاستثمارية، حيث أظهرت البيانات ارتفاع أصول الصناديق في الربع الثالث مقارنة بالربع الثاني، وقد نشاهد المزيد من النمو خلال الفترة القادمة، الأصول الاستثمارية منخفضة المخاطر بلغت نسبتها حوالي 43% من إجمالي قيمة الأصول بينما الأصول الاستثمارية متوسطة المخاطر بلغت 26% والأصول عالية المخاطر 31%، أداء الصناديق خلال العام الماضي شهد تباينا واضحا وخصوصا في الصناديق التي تعمل في الأصول عالية المخاطر مثل الأسهم، حيث سجلت الصناديق الاستثمارية التي تديرها الراجحي المالية أداءً إيجابياً خلال عام 2024 واحتلت 5 من صناديقها الاستثمارية التي تعمل في السوق المحلية المراكز الأولى ضمن أعلى عشرة صناديق استثمارية أداء، ووصلت أرباح صندوق الراجحي للشركات المتوسطة والصغيرة إلى 35% وهذا الأداء يفوق بكثير حركة المؤشر العام للسوق الرئيسة الذي لم يصل إلى 1% وهذا بلا شك يعطينا انطباعا أن إدارة الصناديق في الراجحي المالية نجحت في تحقيق أرباح جيدة وتفوقت على نظيراتها والأهم هو الاستمرار على الأداء الجيد خلال هذا العام 2025، وهنا يجب على المستثمر أن لا يكون تقييمه للصندوق بناء على نتائج سابقة، بل يجب عليه احتساب المخاطر التي قد تواجهها الصناديق الاستثمارية في الأصول عالية المخاطر وعدم النظر إلى نتائج سابقة قد لا تتكرر وربما تتبخر المكاسب التي تحققت، الاستثمارات دائما محفوفة بالمخاطر ولكن عندما تدار هذه الاستثمارات من قبل متخصصين محترفين فإن فرص تقليل المخاطر تكون أعلى من خلال تنويع المحفظة الاستثمارية في مجموعة من الأصول والقطاعات وعدم تركيز الثروة في مكان واحد، بهذه الطريقة يمكن تعويض الخسارة في صندوق بالأرباح من صندوق آخر، وتعد خطة الاستثمار المنتظمة واحدة من أهم مزايا الاستثمار في صناديق الاستثمار المشتركة، لذلك قد يكون من الأفضل اختيار صناديق تتوافق مع شهية المخاطرة، يمكن أن تساعد في الحفاظ على مزيج من الأسهم والصكوك لتحقيق توازن جيد بين المخاطر والفرص، هنالك صناديق يكون الاستثمار فيها من أجل تحقيق هدف محدد، على سبيل المثال إذا كان الهدف هو الادخار للتقاعد في مدى استثماري طويل الأجل يزيد عن 20 عامًا، وهنا يمكن التفكير في صناديق الاستثمار المشتركة للأسهم، أما إذا كان الهدف الاستثماري هو السيولة قصيرة الأجل، فيمكن التفكير في الصناديق السائلة التي توفر استردادًا فوريًا، مع فترة استحقاق قد تصل إلى 90 يومًا فقط، أما الاستثمار على المدى الطويل فهو بالتأكيد أفضل خيار ويمكن أن يساعد في تقليل المخاطر، وتجاوز تقلبات السوق قصيرة الأجل، ويفضل إعادة استثمار الأرباح في الصندوق لزيادة الأصل الاستثماري وتعظيم الأرباح، ومن المستحسن تجنب الخروج غير المخطط له بسبب الذعر الناجم عن تقلبات السوق قصيرة الأجل. إدارة الصناديق الاستثمارية حرفة تحتاج إلى مزيج متناغم من الكوادر البشرية المتخصصة في مجال الاستثمار وإدارة المخاطر مدعومة بإدارة للبحوث توفر البيانات المالية والاقتصادية وتحديد الفرص والتحديات وتحليل معمق للسوق والأرقام الاقتصادية والمالية وحركة السيولة وقدرة الاقتصاد على مواجهة الأزمات، والحقيقة أن كثيراً من الشركات المالية التي تعمل في السوق السعودية لديها قصور في هذا الجانب ربما تكون التجربة قصيرة مقارنة مع تجارب الدول المتقدمة في هذا المجال، وربما يكون للجانب المادي دور في اختبار الكوادر ذات الكفاءة؛ لأن ذلك سوف يكلف الشركات المالية تعويضات ضخمة جداً، ولذلك بعض الشركات تكتفي بإحضار خبير واحد وتحته فريق من الكوادر قليلة الخبرة وحديثة التخرج، ونتيجة لذلك نجد التباين الكبير بين أداء الصناديق الاستثمارية وهذا بالتأكيد قد يتسبب في تركز الاستثمارات في صناديق محددة مما يزيد من قدرتها على التحكم في أسهم معينة ورفع قيمتها السوقية إلى أرقام كبيرة وتحقيق مكاسب للصندوق ولكنها قد تؤثر على سعر الورقة المالية.