تخيل عالما تقفل فيه المستقبل القادر على إحداث ثورة في الصناعات وإعادة تشكيل الاقتصادات وإعادة تعريف الحرب والسلم خلف أسوار جيوسياسية من الفولاذ. هذا هو الواقع الذي صاغته إدارة بايدن الاثنين الماضي في وثيقة من 200 صفحة تسرد فيها لوائح تصدير الذكاء الاصطناعي الجديدة، حيث صممت لتعزيز هيمنة التقنية الأميركية مع الحد من وصولها إلى خصومها. ومع ذلك، مع رسم هذه اللوائح خطوط المعركة في سباق الذكاء الاصطناعي العالمي، فإنها تثير أسئلة حاسمة أيضا: هل ستؤدي هذه التدابير إلى تأمين التقنية بقيادة أميركية أم ستخنق الابتكار الذي تهدف إلى حمايته؟ يقدم الإطار في 200 صفحة نظاما من ثلاثة مستويات؛ المستوى الأول يتكون من حلفاء بلا قيود، في حين المستوى الثاني يضم دولا يسمح لها بواردات محدودة لكن عليها التفاوض على شروط الحصول على المزيد.. المستوى الثالث يضع أقسى القيود على دول الخصوم مثل الصين وروسيا وإيران، حيث يمنعون من الوصول إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي الأميركية الصنع بالكامل. إضافة إلى منع وصول التقنية، تتطلب القواعد أيضا من شركات مثل مايكروسوفت وغوغل الحفاظ على ما لا يقل عن 75 ٪ من قدرتها على الحوسبة بالذكاء الاصطناعي في الولاياتالمتحدة أو الدول المتحالفة، مع ما لا يزيد على 7 ٪ في أي بلد آخر. تمثل هذه التدابير، إلى جانب ضمانات صارمة لأوزان نموذج الذكاء الاصطناعي الحساسة، تصعيدا كبيرا في استراتيجية الاحتواء التقني الأميركية. تعكس اللوائح مقامرة جيوسياسية أوسع أيضا. بتقييد صادرات تقنيات الذكاء الاصطناعي على خصوم مثل الصين، فإن الولاياتالمتحدة تحد بلا شك من وصولها إلى أحدث تقنيات التعلم الآلي. ومع ذلك، أثبتت الصين قدرتها فعلا على تطوير تقنيات محلية في ظل حظر مماثل، كما يتضح من صناعة أشباه الموصلات. قد تسرع القواعد الجديدة ببساطة استثمارات بكين في الاكتفاء الذاتي من الذكاء الاصطناعي. علاوة على ذلك، فإن تقسيم العالم إلى مستويات من الوصول إلى الذكاء الاصطناعي يمكن أن يؤدي إلى تفاقم التوترات العالمية، مما يغذي سباق التسلح التقني. بتصنيف الدول إلى حلفاء وآخرين، تخاطر أميركا بإنشاء نظام بيئي تقني مستقطب، حيث تتشكل كتل بمعايير وأنظمة متنافسة، وهو سيناريو يذكرنا بالحرب الباردة. الذين كانوا يظنون أنفسهم أصدقاء للولايات المتحدة اكتشفوا فجأة أنهم أصدقاء من الدرجة الثانية. تمثل قواعد تصدير الذكاء الاصطناعي لإدارة بايدن خطوة قوية لرسم ملامح حوكمة الذكاء الاصطناعي عالميا. ومع ذلك، كما هو الحال مع أي سياسة، سيعتمد نجاحها على تحقيق توازن بين الضرورات المتنافسة للأمن والتعاون والابتكار. كان من أجدى من هذه اللوائح الدخول في دبلوماسية مدروسة تمكن الولاياتالمتحدة من تشكيل مستقبل الذكاء الاصطناعي يحدده التقدم لا عالم تتجاذبه أقطاب متنافسة.