يُعبِّر الوصف الوظيفي عن مجموع الواجبات والمسؤوليات التي يضطلع بها الموظّف في سُلّمٍ وظيفيٍّ ما، ولكنَّه لا يُعبِّر بالضرورة عن مجموع المعارف التي يتحلّى بها شاغل الوظيفة، ولعلّ كثيرًا من هذه المعارف تظلُّ ضمنيةً غير ظاهرة لدى كثيرٍ من المنظّمات أو المؤسسات إلى أن تطفو على السطح بمحض الصدفة، أو يتسنّى الكشف عنها عبر منظومة ذكيّة تعمل على تفعيل مبادرة تقود إلى إدارة معرفةٍ خلاقة وتضمن تدوير المكتسبات والموارد الإبستيمولوجية المهملة وغير المستغلة بين أعضائها؛ حيث إنّ تميُّز المؤسسات اليومَ أصبح مرهونًا بقدرتها على استغلال مواردها البشريّة ليس فقط مهاريًّا وإنّما معرفيًّا أيضًا. تقول نانسي ديكسون في هذا الصدد: "إنَّ المعرفة تأتي من الأفراد، لكن كيفيَّة استثمار المؤسسات في هذه المعرفة هو ما يُميِّزها". وعن إدارة المعرفة فإنّها تمثّل إحدى أشكال التقاطع بين العلوم أو ما يُعرف بالعلوم والمشاريع البينية في الفلسفة والإدارة وعلوم الاتصال. وتعدُّ بذلك إحدى أدوات المنظومات الحديثة المحفِّزة على التكامليّة واستثمار رأس المال المعرفي بما ينعكس إيجابًا على المنظومة، ويردم فجوات النقص ويسدُّ الاحتياج من الداخل عبر تداول المعرفة؛ حيث تعمل على احتواء الوعاء المعرفي المؤسسي قبل إعادة إنتاجه في هيئة منتجاتٍ متعددة ومتاحة. فهي بذلك عملية متكاملة تهدف إلى تنظيم وتوجيه وتوزيع المعرفة داخل المنظّمات؛ إذ تتضمن هذه العملية رصد المعلومات والخبرات من مختلف المصادر، وتخزينها بطرقٍ يسهل الوصول إليها، وتحويلها إلى موارد مفيدة تساعد على اتخاذ القرار وتحقيق الأهداف الاستراتيجية. وتكمنُ الفكرة الأساس وراء إدارة المعرفة في الاستفادة القصوى من المعارف المتاحة، سواءً أكانت ضمنية كالخبرات الشخصية والتجارب أم صريحة كالوثائق والتقارير؛ حيث يُمكن للمنظمات تحسين الكفاءة والابتكار وتعزيز التعاون بين العاملين وتحقيق ميزةٍ تنافسية مستدامة. لقد باتت فكرة المهارة المجرّدة التي لا تحمل بُعدًا إبستمولوجيا هاجسًا يُعرقل نمو الموظف المعرفي الذي يجنح بطبعه للحفاظ على أفكاره التقليديّة ما دام ذلك يعود عليه بالنفع المباشر في أدائه من مؤسسته في عالمٍ مشغولٍ بخطوط الإنتاج والمكاسب السريعة، غير أنّ ترسُّبَ مثل هذه الأفكار لديه بات من شأنه أن ينعكس عمومّا على نمط تفكيره الذي سيواجه مستقبلاً معضلةَ التغيير الذي لا مناص منه، وما تتطلّبه مهارات الألفية الثالثة من استعدادٍ للانفتاح على التحديثات الإبستمولوجيّة والمرونة وسرعة التكيّف وغير ذلك ممّا يجعله متأهبًا لموجات التغيير، وكلُّ ذلك إنّما يتحقق من خلال مشاريع معرفيّةٍ متنوّعةٍ يُلِمُّ بها وتُقدَّم له عبر قنواتٍ سهلة وفي صورة وجباتٍ تأهيليّةٍ سائغة. ولذا يؤكد بيتر دراكر: "أنّ المعرفة لم تعد مجرّد موردٍ واحدٍ للمؤسسات، بل أصبحت هي المورد الأساس". وكما يُجمِع كلٌّ من دافنبورت وبروسك فإنَّ "إدارة المعرفة تعتمد على قدرة المنظومة على رصد ونقل وتوظيف المعرفة بفاعليّة". وعليه فإنّ إدارة المعرفة تهدف إلى تسهيل الوصول إلى المعلومات اللازمة، لتحسين عملية اتخاذ القرار، وتعزيز الابتكار داخل المنظمات. والإحاطة بمُجمل ما تحظى به من معارف صريحةٍ أو ضمنيّةٍ متوارية. وتفتح نافذةً على تداول المعرفة وتجويدها من داخل المنظومة ذاتها، الأمر الذي يستحث الأفراد على تبادل الخبرات المعرفية فيما بينهم ويضمن عدم تسرّبها وفقدها، ومن ثَمَّ استثمارُها.