امتداداً للأداء الاقتصادي والمالي المتميز خلال السنوات الماضية، بما في ذلك العام الماضي، منذ انطلاقة رؤية السعودية 2030 في شهر إبريل 2016، تشير المؤشرات والتوقعات الاقتصادية والمالية إلى استمرار الأداء المتميز للاقتصاد السعودي خلال العام المالي الحالي 2025، وأيضاً على المديين المتوسط والطويل. بمقال الخميس الماضي استعرضت عدداً من المؤشرات والتطورات الاقتصادية التي تحققت في العام الماضي، والتي من بينها على سبيل المثال لا الحصر: نمو الأنشطة غير النفطية بنسبة 4.2 %، وانخفاض معدل البطالة بين السعوديين إلى أدنى مستوى تاريخي له وغير مسبوق ليبلغ 7.1 %، ومعدل التضخم ليبلغ 1.6 %. تلك المؤشرات والتطورات الاقتصادية التي تحققت في العام الماضي، أكدت على قدرة الاقتصاد الوطني على مواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية العالمية، بما في ذلك تبعات الخفض الطوعي لكميات النفط والجهود الحثيثة التي تقوم بها المملكة لدعم استقرار أسعار الأسواق العالمية بما يخدم مصالح المنتجين والمستهلكين على حدٍ سواء، والتي تزامنت أيضاً مع انخفاض بمتوسط أسعار العقود الآجلة لخام برنت منذ بداية عام 2024 وحتى نهاية شهر سبتمبر بنسبة بلغت 0.3 % مقارنة بالفترة المماثلة من العام 2023. بالرغم من أن العام الحالي 2025 لا يخلو من التحديات الاقتصادية العالمية، التي من بينها: توقع استمرار المخاطر الجيوسياسية، وتشديد السياسة النقدية لاحتواء معدلات التضخم وتجاوز الدين العالمي حجم الناتج الإجمالي، إلا أن التطورات والمؤشرات الاقتصادية خلال هذا العام تنبئ بأن الاقتصاد السعودي والمالية العامة للدولة سيتمكنان من الصمود أمام تلك التحديات، ولعل ما يعزز من هذا التنبؤ، إقرار الحكومة السعودية لميزانية تريليونية بجانبي الإيرادات والنفقات، ليبلغ إجمالي الإيرادات 1,184 مليار ريال سعودي، ويبلغ إجمالي النفقات 1,285 مليار ريال سعودي، وتحقيق عجز مالي متوقع يبلغ -101 مليار ريال سعودي، مشكلاً ما نسبته -3.2 %. لعله من المهم الإشارة إلى أن ميزانية هذا العام، تَهدف إلى المحافظة على المركز المالي للمملكة وتحقيق الاستدامة المالية من خلال الحفاظ على مستويات مستدامة من الدين العام واحتياطيات حكومية قوية، تُعزز من قدرة المملكة على التعامل مع الصدمات الخارجية. يتوقع أن يصل رصيد الدين العام بنهاية العام الجاري إلى 1,300 مليار، سعودي، مسجلاً 29.9 % من الناتج المحلي الإجمالي، والذي هو ضمن الحد المستهدف 40 %، في حين يتوقع أن تصل قيمة الاحتياطيات الحكومية إلى 390 مليار ريال سعودي. من بين أبرز المستهدفات المالية العامة للعام الجاري وعلى المدى المتوسط، الرفع من كفاءة وفعالية الإنفاق الحكومي والتوسع في الإنفاق التحولي، والمحافظة على الاستدامة المالية والاستقرار الاقتصادي، والاستمرار في دعم واستكمال المشاريع التنموية، بما في ذلك المبادرات والإصلاحات الهادفة لتمكين القطاع الخاص، وتحقيق التنمية الشاملة في جميع القطاعات. تَجدر الإشارة إلى أن الإنفاق التوسعي سيركز على المدى المتوسط على الاستراتيجيات القطاعية والمناطقية، والمشاريع الكبرى، وبرامج رؤية السعودية 2030 بما في ذلك تطوير الخدمات الأساسية التي لها مساس مباشر بحياة المواطنين والمقيمين في المملكة. أخلص القول؛ إنه بالرغم من المخاطر المالية العالمية، كتباطؤ نمو الاقتصاد العالمي، وتقلبات أسواق النفط العالمية، واحتمالية بقاء أسعار الفائدة العالمية مرتفعة لفترة أطول، والمخاطر الجيوسياسية، إلا أن الاقتصاد السعودي بإذن الله سيكون قادراً على مواجهة تلك التحديات والصمود أمامها، مدعوماً باحتياطيات حكومية قوية ومتينة، وإنفاق حكومي توسعي، ومرونة في إعادة ترتيب أولويات الإنفاق، واستمرار برامج ومبادرات الإصلاح الهيكلية الداعمة لتعزيز الإيرادات غير النفطية. كما يتوقع أن يستمر الاقتصاد في تحقيق تقدم ملحوظ على الصعيد المالي مدفوعا بالجهود الحكومية الرامية إلى تحقيق الاستدامة المالية وتنويع مصادر الدخل ودعم نمو القطاعات الواعدة.