العطاء معنى عظيم في حياة البشر، ومصدر للسعادة باتفاق العقلاء من كل أمم الأرض، والجميع ينسب نفسه إلى قوافل المعطائين، ولو قُدِّرَ لك أن تسأل ذات يوم من تجالسهم بسؤال: "هل أنت معطاء؟"، لجاءت الأجوبة: "نعم"، لكن لو طلبت منهم أمثلة واقعية على عطاءاتهم لربما ترددوا في إجاباتهم، أو اختلفوا في موافقة بعضهم لبعض فيما يصورونه من صور للعطاء، وليس معنى ذلك أنهم خاطؤون، وإنما هي عدسة الرؤيا لكل واحد منهم. تأمل معي لو طلب من كل واحد منّا أن يقدّم الشكر لمن حوله على عطاءاتهم له، فسوف ترى أن البعض يجد ذلك ثقيلاً على نفسه، وربما قال لنا: "وماذا قدّموا لي؟"؛ لأنه رأى أفعالهم من قبيل الإلزام والمعاوضة لما يقدمه لهم من عطاءات، وهذا ناقض لفكرة العطاء ورمزيته الرائعة والتي تقوم على البذل لأجل البذل لا المقايضة، العطاء ياسادة بذلاً خاليًا من الاشتراطات، فحينما تعطي لأهل بيتك ولشريك حياتك ولأبنائك، فأنت تعطي حُبًّا وتلذُّذًا بالعطاء ذاته، وهذه فكرة مهمة في معنى العطاء حتى يستمر. العطاء له صور مختلفة فأشهره والمتبادر إلى الأذهان بذل المال بشتى صور الإحسان، بإعانة مسكين، أو علاج مريض، أو دفع كلفة التعليم، أو شراء ملابس، أو تمهيد طريق، وغير ذلك من صور العطاء المالي، ولا أطالبك بأن تفقر نفسك بسبب العطاء، فالله تعالى يقول: "ويسألونك ماذا ينفقون قُلِ العفو"، والعفو: ما زاد عن الحاجة. ومن العطاء بذل الطيب من الكلام، الشكر لمن خدمك، اختيار ألطف العبارات في الطلب، والعطاء يكون حينًا ابتسامة، ومرةً افساحًا في الطريق، ومرةً بذلاً لاستشارة، وأحيانًا يكون دعمًا مهنيًّا تقدمه لزميلك في العمل ولو كان سيجعل منه في نظرك منافسًا، فإياك أن تكون متقوقعًا في الأنانية الذاتية. واختم بتذكير نفسي وإياك بصور العطاء اللامتناهي من الله تعالى، منذ أن خلقنا في بطون أمهاتنا وحتى لحظتنا هذه، فلو عددنا ما عددنا، ولو حمدنا ما حمدنا، ما وفينا ربنا شكراً وحمداً لعطاءاته، لكنه الكريم الغني الذي خزائنه لا تنفد، فاللهم ربنا شكراً لك وحمداً على نعمائك.