تعكس المدن ثقافة شعوبها وحضارتها عبر التاريخ، حيث تمثل هوية فريدة لكل مجتمع من خلال تراثها العمراني، عاداتها الاجتماعية، وفنونها المتنوعة، حيث تُعتبر سجلاً حياً للأحداث التي شكلت وجدانها، إذ تحمل شوارعها القديمة ورائحة أسواقها الشعبية قصصاً تنبض بالحياة. وقد حظيت بزيارات رسمية لعدد من المدن والمحافظات في بلدي المملكة العربية السعودية، وخارجها، وآخرها زيارة محافظة الحريق التي تمتاز بنكهة وثيمة خاصة عن غيرها من مدن العالم، حيث تتميز بمزارع التمور، ومزارع الحمضيات، وتنطلق بها عدد من المهرجانات الخاصة بالحمضيات، ومهرجانات شعبية أخرى. ولعل زيارتنا لسوق "المفيجر" مثّل بالنسبة لي ولزملائي رفقاء الزيارة مفاجأة حقيقية لمن لم يسبق لهم زيارته، حيث هو عبارة عن قلعة قديمة تتجاوز القرن من الزمان، وقد قامت بلدية المحافظة بترميم المبنى والحفاظ عليه، وتحويله إلى سوق للتراث، ومنطقة سياحية يرتادها الزوار من مناطق متعددة بالمملكة، وحتى الزوار الأجانب. وتمتلك محافظة الحريق متاحف وأسواقاً تراثية تبرز هوية المحافظة، وقد باتت وجهة سياحية، يتجسد فيها تاريخ المنطقة الوسطى، لتجمع بين البيوت الأثرية والأسواق القديمة والمأكولات الشعبية وبيوت الطين التي حرصت هيئة التراث على المحافظة عليها وتحويلها إلى مزارات سياحية تحقيقاً لرؤية المملكة 2030. ويأتي ذلك من خلال الحرص على هذا التراث عبر مشاريع إعادة إحياء المدن القديمة وترميم المباني التاريخية، مع تعزيز دورها في السياحة الثقافية. على سبيل المثال، تُحوَّل الأسواق التقليدية إلى وجهات سياحية تجذب الزوار من مختلف أنحاء العالم، مما يساهم في نشر ثقافة المملكة وتعزيز اقتصادها. وتعتبر الحريق التابعة لمنطقة الرياض، مقصداً سياحياً بسبب طبيعتها الخلابة حيث تضم العديد من التضاريس الجغرافية مثل: الأودية، والجبال الشاهقة التي تحيط بها من جميع الجهات، وكذلك الشعاب، والشلالات التي تتكون بمجرد نزول الأمطار، وتمتاز بوفرة الغطاء النباتي بها، فهي تشتهر بزراعة أشجار النخيل المرتفعة، واليوسفي والحمضيات مثلك البرتقال، وغيرها. وتتوفّر في هذه الأرض المياه الوفيرة مما جعلها بيئة مناسبة لنمو العديد من الأشجار التي من المستحيل أن تنمو في البيات الصحراوية. ولا يسعني إلا أن أتوجه بالشكر الجزيل لرئيس بلدية محافظة الحريق فهد الدميخي على الدعوة الكريمة وأبناء المحافظة الكرماء الذين ساهموا في تنظيم هذه الزيارة.