في زيارة سريعة لإحدى محافظات مملكتنا الحبيبة، انطلقت رحلتنا في الصباح الباكر من أقصى شمال الرياض إلى أقصى جنوبه، سالكين شريان الرياض (طريق الملك فهد) محاذين لقلبه العتيق الذي لا يزال يحتفظ بمبانيه القديمة ذات الرونق الجميل، وانتهى بنا المطاف نحو حي العزيزية - بغية الباحث - عن أسواق تجارة الجملة وهواة الطيور والحيوانات، ثم سلكنا طريق الحاير الجديد إلى محافظة الحريق، وبعد ساعة بدأت ملامح البلدة تظهر من الأعلى بارتفاعها الشاهق وجبالها الساحرة المحيطة بها من كل جانب، كأنما هي دوحة لا مدينة. استقبلتنا أطلال بلدة نعام، تلك البلدة الصغيرة المساحة الكبيرة في تاريخها، حيث ذكرها الهمداني وياقوت الحموي وغيرهما في وصفها وما جاء فيها قبل الألف سنة مضت، ثم سرنا متجهين عبر طريق فردي يمررنا بمحاذاة درب عجلان والذي كان نافذة لمركز نعام وطريقاً رابطاً بينها وبين تلك الشعاب ودرباً يطرقه الحاج والمعتمر والقاصد لتلك الديار الطيبة، وهو من أهم الطرق التاريخية في المملكة العربية السعودية والتي سلكها جيش مسيرة التوحيد بقيادة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - يرحمه الله -. ثم اتجهنا إلى محافظة الحريق نحثُ الخطى تاركين تلك الرسوم والأطلال الشامخة خلفنا، حيث استقبلتنا بلدة المفيجر الملاصقة محافظة الحريق، فهيّج الحديث بعضه بعضاً مستذكرين كرم أهلها وجمال مزارعها الخلابة. ثم بلغنا دربنا المقصود وطريقنا المنشود بحلول بوابة الكرم والشجاعة محافظة الحريق، البلدة الجميلة التي على جنباتها جبال شهباء شامخة تعانق عنان السماء، تضم في أحضانها مدينة متكاملة مترامية الأطراف، وبها من الآثار المندثرة كالأبراج الطينية الممتزجة بالصخور الصلبة لحماية البلاد من سطوة الأعداء، حيث كان بناؤها بتكاتف أهلها في نهاية العام 1252 ه لصد اعتداءات الجيش العثماني، والتي كُسرت شوكته في بلدة الحلوة العام 1254ه. وعندما ولجنا مدينة الحريق التي تحوي العديد من المرافق الحكومية المُلبّية لاحتياجات ساكنيها، عدا المرافق التعليمية للتعليم العالي من الكليات العلمية والأدبية، لكون المحافظة يتبع لها خمس مراكز والعشرات من الهجر، ومحافظة الحريق بلدة عامرة بالسكان حيث جاء في آخر إحصائية للتعداد السكاني أن عدد أهلها أكثر من 16 ألف نسمة. وتتوسط المحافظة مساحة خضراء وكأنها عقدٌ فريدٌ يُزين عتقها بالنخيل والأشجار حيث يبلغ عدد المزارع فيها أكثر من تسع مئة مزرعة، ويقام بها كل عام مهرجان الحمضيات الذي نال شهرة واسعة النطاق على مستوى الخليج العربي، وذلك لتوفر المياه العذبة والأراضي الخصبة وتكثيف زراعة الحمضيات بأنواعها بجانب النخيل لتحقق اكتفاءً ذاتيا. وتكثر بمحافظة الحريق الأودية والشعاب التي لا يُحصى عددها، حيث قيل إنها تزيد على ثلاث مئة شعيب، وقد ذكر ذلك الأديب/ عبدالله بن خميس في كتابيه: تاريخ ومعجم اليمامة، وكذلك الأديب/ حمد الجاسر وغيرهما، وقد ذُكرت أسماء بعض تلك الشعاب: مثل شعيب حرّ، وشعيب حنيظلة، وجبل بلعوم، وشناظر البكرين في قصائد الشعراء قديماً. ومن خلال الجولة التعريفية بالمحافظة وما رُؤي من الجهود المبذولة لجعلها مركزاً لجذب السياحة المحلية، وحالمة في وصول سياح الداخل والخارج لها لاحتوائها على جبال شاهقة ذات تشكيلة صخرية جميلة، وتعتبر امتداداً لجبال طويق، واستغلالها لهواة تسلق الجبال، والعمل على ملاءمتها لذلك، وإبراز الأماكن التراثية وتهيئتها للزوار، والمساهمة في دعم وتشجيع الأهالي في توفير البيئة المناسبة للتعليم لتهيئتهم للاستقرار في المحافظة والحد من الهجرة إلى المدن الرئيسة للحفاظ على تراث المحافظة.