بعد سنوات من الجمود السياسي والفراغ الرئاسي الذي خيم على البلاد لأكثر من عامين، شهدت الساحة اللبنانية تحولات كبيرة تمثلت بانتخاب قائد الجيش العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية، وتسمية القاضي نواف سلام لتشكيل الحكومة. هذه التطورات تحمل في طياتها وعوداً ببدء عهد جديد يعيد للبنان توازنه الداخلي وارتباطه بعمقه العربي والإقليمي، ويؤسس لمرحلة من الاستقرار السياسي والاقتصادي. انتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية: خطوة نحو الاستقرار جاء انتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية اللبنانية بأغلبية 99 صوتاً من أصل 128 في الدورة الثانية، بعد محاولات عديدة فشلت في تحقيق النصاب السياسي المطلوب. هذا الإنجاز يُعد بمثابة خطوة حاسمة لكسر الجمود السياسي الذي كلف لبنان الكثير على المستويات الاقتصادية والاجتماعية، حيث يحظى العماد عون بدعم واسع من الكتل النيابية، إلى جانب تأييد إقليمي ودولي. وقد أسهمت الاجتماعات المكثفة والمشاورات مع القوى السياسية الرئيسية، بما في ذلك ممثلو "حزب الله" وحركة "أمل"، في تعزيز التوافق حول انتخابه، مما يشير إلى بداية مرحلة جديدة من التعاون بين مختلف الأطراف اللبنانية. حضور الموفدين الدوليين، بمن فيهم الفرنسي جان إيف لودريان والسعودي يزيد بن محمد آل فرحان، يعكس الاهتمام الدولي بتحقيق استقرار لبنان وعودته إلى دوره كجسر تواصل بين الشرق والغرب. تكليف نواف سلام: بوابة نحو إصلاح سياسي واقتصادي على الصعيد الحكومي، جاء تكليف القاضي نواف سلام بتشكيل الحكومة، بعد حصوله على دعم 85 نائباً في الاستشارات النيابية، ليؤكد على الإرادة السياسية لتحقيق الإصلاح والتغيير. سلام، المعروف بسجله القانوني والديبلوماسي المشرف، يتمتع بدعم عربي ودولي، مما يعزز من فرصه في قيادة حكومة قادرة على مواجهة التحديات الكبرى التي تنتظرها، إذ يمثل تكليف سلام انعطافة مهمة، حيث يعكس توافقاً بين الكتل السياسية على منح الأولوية لإعادة بناء الدولة على أسس سليمة. غير أن التحديات التي تواجهه ليست هينة، بدءاً من تشكيل حكومة قادرة على العمل في ظل الانقسامات السياسية العميقة، وصولاً إلى تنفيذ الإصلاحات الضرورية لإنعاش الاقتصاد. مسيرة حافلة للقاضي نواف سلام عودة لبنان إلى عمقه العربي إن التحركات السياسية الأخيرة، بما في ذلك دور الوساطة التي لعبتها الدول العربية، تشير إلى عودة لبنان بقوة إلى محيطه العربي. دعم الدول الإقليمية، ولا سيما السعودية، في دعم الاستقرار السياسي والاقتصادي في لبنان يعكس إدراكاً عربياً لأهمية استعادة لبنان لدوره التاريخي كمنارة ثقافية وسياسية في المنطقة. تحديات المرحلة المقبلة رغم الإيجابيات التي رافقت انتخاب رئيس جديد وتكليف رئيس للحكومة، تبقى التحديات كبيرة. أولها إعادة إعمار المناطق التي تضررت جراء الحرب الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل، وتنفيذ قرار مجلس الأمن 1701 بما يشمل نزع السلاح غير الشرعي وإعادة سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية، إلى جانب ذلك، يحتاج لبنان إلى إجراء إصلاحات هيكلية في اقتصاده المنهار منذ أكثر من خمس سنوات، تشمل إعادة هيكلة الديون، وتحقيق الشفافية في إدارة المالية العامة، وتطوير قطاع الكهرباء، وإعادة الثقة بالنظام المصرفي. نحو مستقبل أفضل إن انتخاب العماد جوزيف عون وتكليف نواف سلام يشكلان بداية مشجعة لعهد جديد في لبنان. تعكس هذه الخطوات إرادة سياسية وشعبية لطي صفحة الفراغ والانقسام، وفتح باب الأمل أمام اللبنانيين لاستعادة استقرارهم ومكانة بلدهم في المنطقة والعالم. لبنان، الذي عاش في السنوات الماضية أزمات غير مسبوقة، يبدو اليوم مستعداً لكتابة فصل جديد من تاريخه، حيث تتضافر الجهود الداخلية والخارجية لإعادة بناء الدولة على أسس صلبة، بما يعيد لهذا الوطن الصغير دوره الكبير في المنطقة.