قد تبدو وظيفة التكرار للوهلة الأولى مضطلعة بتأكيد فكرة العنصر المعجمي المكرر، ولكن .. تتعدد صور التكرار فيعمل على إعادة ذكر عناصر النصوص المعجمية (lexeme) في صورة عنصر سابق، أو مرادف أو شبه مرادف أو شمول، أو كلمة عامة، فهو بذلك يتّخذ عدّة صور يمكننا توضيحها من خلال المثال التالي: (ق) تسلّق شاب نخلةً. (ق1) ممَّا تسبب في سقوط الشاب؛ لأنه لم يكترث = (عنصر سابق). (ق2) ممَّا تسبب في سقوط الفتى؛ لأنه لم يكترث = (مرادف).(ق3) ممّا تسبب في سقوط الرجل؛ لأنَّه لم يكترث = (شمول). (ق4) ممَّا تسبب في سقوط المتهوّر؛ لأنه لم يكترث = (كلمة عامة). وبشكلٍ ضمني فإنَّ كلَّ مادة معجمية مكررة تحمل معها تاريخها الخاص وبيئتها المحددة التي تعتمد على سياق إنشاء النص، أو تمدُّه بالسياق وما يجسده في هذه المناسبة. وتحدّد هذه البيئة المعنى الحالي أو المعنى النصي للعنصر باعتباره معنى فريدًا يحمل قوة إنجازية ذاتية يُفسرها الافتراض المسبق الذي يتتبعه المتلقّي من خلال تأويل العنصر المكرّر ومدى تأثيره على الخطاب ناهيك عمّا يحمله كلُّ عنصرٍ معجمي متكرر من ظلالٍ للمعنى، أو معانٍ هامشيّة ثانويّةٍ تُفسّرها التعالقات والحمولات النفسية والاجتماعية والثقافية والسياقيّة التي تتجاوز حدود المعنى الأساسي. فمفردة (شاب) على سبيل المثال لا تتوقف عند معناها الأساسي فحسب الذي هو: (إنسان+ ذكر+ بالغ إلى عمر الثلاثين) بل تتجاوزه إلى ظلال المعنى وتاريخها القابع في اللاوعي الجمعي؛ حيث تشي بمعانٍ من قبيل (القوّة، العنفوان، التهوّر، الصحة، الفتوّة ونحو ذلك) والأمر ينطبق على جميع العناصر المكررة. حيث إنّ هذا النوع من الربط كثير جدًا في خطابنا وأحاديثنا اليومية، ويستطيع المتكلّم من خلاله الاسترسال في الكلام وسرد الأحداث وإثراء حديثه ببعض الملامح الضمنية عبر توظيف العنصر المكرر دون الإسهاب أو الإطناب أو تضخيم بنية النص السطحية. بالإضافة إلى إسهام التكرار وظيفيًا في تفسير الإحالة الموسعة وذلك عندما تتّخذ الإحالة شكل عنصر معجمي يحوي علاقة اشتمال ليترك للمتلقي فرصة إعمال كفايته الموسوعية وتأويل المعاني بناء على خبراته وخلفياته الثقافية والاجتماعية؛ حيث تكمن ضمنية التكرار من خلال عمل المتلقي على استنباط الافتراض المسبق الذي ينجم عن العنصر المكرّر؛ الأمر الذي يسمح له بالتنبؤ واستشراف الأحداث ذات العلاقة وتوظيفها، واستحضار الأحداث التاريخية واستعادتها. وأي إهمال لذلك سيجعل من المتلقي قاصرًا عن فهم تداعيات الحدث الكلامي، ذلك أنَّ المتكلمين يستعملون التكرار من أجل تكريرهم المفاهيمي للشخصيات والأحداث، متخذين من التكرار أحيانًا تعديلاً ذاتياً للعناصر المذكورة؛ حيث إنَّ بنية المقول تعتمد على تجدد الأحداث وتغيُّرها، وبذلك تسمح انتقائية التكرار للمتكلمين باستدعاء الافتراضات المسبقة في العناصر المعجمية المكرّرة وما تحمله من تاريخ خاص؛ لتتخذ بذلك دوراً في توجية الخطاب ضمنياً. ولا ينفي هذا أنهم يلجؤون إلى هذا الشكل من التكرار أحيانًا لصنع الإثارة والخروج بأحاديث متماسكة نصياً وخطابيًّا. وغالبًا ما تقود العناصر المعجمية المكرّرة مجتمعة بما تحمله من افتراضات مسبقة عند ربطها بالتأسيس إلى مسكوت عنه؛ الأمر الذي يجعل من الفعل الذي يتضمّنه التكرار حاملاً لقوّة إنجازية موجّهة. ولذا فإنَّ التكرار قد يبدو وسيلة ضمنيّة لتكرار التجربة الإنسانية ذاتها وتعميق طبقات الفهم، فهو ليس مجرد أداة لغوية، وإنّما هو أسلوب يعمل على إعادة التأسيس للفهم وخلق التوجيه والتأثير.