يمكن النظر إلى الأنواع (الأجناس) على أنها توفّر طريقة مُهمّة لتأطير النصوص؛ حيث توجّه معرفةُ الأنواع المتلقين إلى المواقف والافتراضات والتوقعات المناسبة حول النّص (الكفاية النصية). ومن ناحية أخرى يمكن أن يُنظر إلى الأنواع أيديولوجيًّا باعتبارها تأويلاً مقيِدًا يحدّ من المعاني (الكفاية الموسوعية)، فقراءة رواية على سبيل المثال تُقيّد المعاني التي سيتأوّلها القارئ عمومًا في حدود الافتراضات والخيالات، وعلى النقيض من ذلك، فإنَّ قراءة الأخبار الصحفية تقيّد معاني النصوص التي سيتأوّلها القارئ عمومًا في حدود الوقائع والحقائق، في حين أنّ المعاني في الكُتب تجعل القارئ مرتهنا عمومًا للمعرفة والقيم والمثل. وثمة تباين نوعيٌّ آخر بين الخطاب المقروء والمسموع والمرئي؛ حيث إن لكلِّ نوع ممارساته الخاصة التي تختلف عن الآخر، فإذا كان الخطاب المقروء يعتمد على النصوص بشكل تام فإنَّ الخطاب المسموع يضفي على النصوص المؤثرات الصوتية والبنى فوق التركيبية كالنبر والتنغيم، في حين أنَّ الخطاب المرئي "يعتمد الصورة بوصفها أيقوناً للتأثير والتوجيه والتغيير. ولعل سر الاختلاف راجع أولاً إلى البناء الداخلي للنصوص، وثانيًا إلى الأغراض التواصلية التي يطمح المنشئون إلى تحقيقها عبر تلك الأشكال، والخطط القولية"، لذلك فإنَّ المعاني التي تنتجها أنواع الخطاب على اختلافها تظل متباينة في آلياتها وأدواتها، فالخطاب المسموع والخطاب المرئي لا يتوقّفان عند حدود الاستراتيجيات اللغوية فحسب، بل يحويان أيضًا استراتيجيات غير لغوية كالإيحاءات التي تتركها الخلفيات الصوتية والموسيقية على المستمعين، والإيحاءات التي تتركها المؤثرات البصرية على المشاهدين. ويتعلق الأمر من ناحية بالمشهد الجامع (scene of embracing)، أي نوع الخطاب الكلّي الذي نتعامل معه، فعلى سبيل المثال حين نقرأ نصًا صحفيًّا في جريدة، فيجب أن نحظى بالكفاية لتحديد انتمائه إلى الخطاب الإعلامي وليس إلى نوع الخطاب الديني أو الخطاب السياسي؛ حيث إن تحديد نوع الخطاب الكلّي يُعد الانطلاقة الأولى التي يُمكن لنا من خلالها إجراء الحسابات التأويلية. وبشكل عام، يؤطِّر مشهد العمل الجامع للحدود والقيود الزمنية والمكانية التي تسمح بالتناسق الضمني للتفاعل الاجتماعي في المقام الأول، ويساعد على تنظيم وجهة الخطاب، ويوفّر إطارًا زمنيا عمليا للدلالات النسبية للأحداث والإجراءات التي حدثت أو كُتبت. أضف إلى ذلك أنَّ هذا المشهد يمثل الخلفية النفسية أو التعريف الثقافي. ولكن ثمّة مشهد آخر لا يقلّ أهميّة، فليس بالإمكان تحديد طبيعة المعنى في الخطاب دون الإحاطة بالمشهد النوعي ( scene of generic) الذي يُمثّل مجموعة من المعايير المتغيّرة عبر الزمان والمكان، ويمنح حقائق أشمل للمتلقين، فعلى سبيل المثال ما دام نوع الخطاب الكلّي إعلامياً صحفياً فهو لا يعدو أن يكون خبرًا أو مقابلة أو إشهارًا أو مقالة.. إلخ. وبناء على ذلك فإنَّ العلاقة بين هذه الأجناس والخطابات والأنماط تُمثّل مستوى وسيطًا متداخلاً بين الخطاب وسياقه الاجتماعي المتمثّل في الأحداث والممارسات والبنى الاجتماعية. وتشكِّل الخطابات والأجناس المختلفة والأنماط مجتمعةً عناصر النصوص والعناصر الاجتماعية التي تنتظم معًا في علاقات متداخلة، وعلاقات قد تبدو فيها مندمجة ومفصّلة ومحكمة. ولكونها عناصر اجتماعية يُعبَّر عنها بأساليب لسانية فإنَّ التحكّم في التنوع اللغوي يصبح اجتماعيًا؛ إذ إنّها تُشكّل حلقة وصل بين النص والعناصر الاجتماعية الأخرى، وبين علاقات النّص الداخلية الدلالية والنحوية والمعجمية وعلاقات النص الخارجية كالأحداث والممارسات والبنى الاجتماعية. إنّ نوع الخطاب يتحلّى بتكوينٍ محدّدٍ ومميز لعناصره ويحقق غرضًا أو مجموعة من الأغراض التواصلية المتعارف عليها، ويخضع المعنى فيه لأنماط وممارسات خاصة قد لا تتضح في غيره؛ لذا فهو معروف لدى المجتمع اللغوي ويحظى بتسمية مشتركة ومتعارف عليها على نطاق واسع؛ إذ إنّ كفاية المتلقّي بأنواع الخطاب ستسمح له بتحقيق المعرفة الضمنية والتأويليّة الملائمة.