لا يزال حلم امتلاك المنزل ملازماً للإنسان منذ القدم، فكل إنسان يسعى وبقوة لامتلاك منزل أحلامه، فتراه يجمع المال ويوفره من أجل هذه الغاية، وفي الماضي عندما كانت البيوت في القرى والبلدات تبنى من اللبن والطين وتسقف بجذوع الأثل وجريد النخيل، فإن التعاون في البناء سمة تميز بها ذلك الجيل، حيث يساهم الجيران والمعارف بما يملكون من جريد النخل وجذوع الأثل من مزارعهم بينما يقوم من لا يملك ذلك بالمساهمة بالجهد البدني بخلط الطين بالماء وعمل «اللبن» من الطين والبناء، وكان صاحب المنزل يقوم بتأمين الطعام للعاملين بالأجرة والمتطوعين حتى الانتهاء من بناء البيت الذي قد يستغرق أسابيع قليلة، خاصةً في فصل الصيف حيث يجف الطين بسرعة، وبعد أن عرف الناس البناء الحديث وهو بناء المنازل الشعبية المبنية من «البلوك» والمسقوفة بالخشب، وأساساتها من الصخور –الحصى-، وبناؤها لا يحتاج إلى الدقة التي تحتاجها منازل وقتنا الحاضر من التخطيط والبناء بالخرسانة والحديد، فقد كانت التكلفة في متناول الكثيرين، والحقيقة بأن المنازل الشعبية كانت في وقتها نقلة حضارية في حياة الناس فقد عرفوا النظافة والخصوصية، حيث صار لكل واحد مكان مخصص كغرف للنوم والاسترخاء، بعد أن كانت الفوضى تعم بيوت الطين، ولكن الغالب أن تخطيطها واحد لا يكاد يتغير، فهي تشترك في أنها تحتوي على مجلس للرجال و»مقلط» ومطبخ وغرفة لمجلس النساء وغرف للنوم، وكانت معظم هذه البيوت مشيدة من دور واحد فقط، وتختلف في اللون وترتيب الغرف ومساحاتها فقط، ولكن تخطيطها متشابه إلى حد كبير، وإن كان أثاث المنزل قد تغير عن السابق، ففي البيوت الشعبية صار هناك مجالس مفروشة ب»الموكيت»، ونوافذ عليها ستائر، والمطبخ به «دواليب» لحفظ الأواني و»مجلى» لغسيل الصحون بدل غسلها في حوش بيت الطين، كما أن الإضاءة مكثفة وموزعة بشكل متساوٍ في جميع الغرف والممرات. صندوق عقاري وفي العقود القليلة الماضية ودّع الناس المباني الشعبية في بناء منازلهم إلى الفلل ذات المساحات الواسعة ومتعددة الأدوار، مما جعل كلفة البناء عالية، وغالباً ما يسهم قرض صندوق التنمية العقارية في سرعة إنجاز البناء، في عصرنا الحاضر ولكثرة الراغبين في امتلاك المنازل عن طريق شرائها من ملاكها بالنقد أو عن طريق الاقتراض من البنوك فقد نشط العديد من التجار إلى بناء وحدات سكنية من فلل وشقق للتمليك، ولكن ظهر في تلك البيوت المباعة العيوب التي تظهر بعد إتمام البيع خلال أشهر من الشراء كظهور التصدعات و»الهبوطات» في الجدران وخلل في تمديدات المياه والكهرباء والصرف الصحي والعديد من العيوب الظاهرة والباطنة، مما جعل صاحب البيت يعيش في مطالبات في المحاكم بعد تقديم الشكاوى، ونظراً لكثرة تلك الحالات فقد جاء طرح الحلول لهذه الظاهرة وذلك بفرض التأمين الإلزامي على المباني السكنية، حيث أكدت وزارة الشؤون البلدية والقروية أن مدة الضمان عشر سنوات ميلادية تبدأ من تاريخ سريان وثيقة التأمين الإلزامي على العيوب الخفية، بعد إصدار شهادة الإشغال للمبنى، وجاءت هذه الأنظمة كردة فعل نتيجة تضرر بعض المواطنين واستقبال العديد من الشكاوى وبلاغات الغش التجاري وفي محاولة للحد من العيوب الإنشائية والأضرار التي تصاحب عادة عمليات تنفيذ المشاريع السكنية واسعة النطاق، وصولاً إلى رفع جودة الوحدات السكنية باتباعها الحد الأدنى من المواصفات القياسية التي تتلاءم مع أنظمة السلامة الإنشائية والبيئة المحلية. دقة وتخطيط وبعد أن ودّع الناس البيوت الشعبية واستبدلوها بالبناء المسلح بظهور «الفلل» بات البناء أكثر دقة والتخطيط أكثر تفصيلاً، فعرف الناس معنى المكتب الهندسي الذي يتيح لكل من يرغب البناء أن يحدد ما يريد من منافع، وكذلك المساحة التي يرغبها، فتضاعفت أحجام المجالس والغرف وصار لكل «فيلا» مقدمة وارتدادات فسيحة من كل جوانب البناء، وبعد تأسيس البلديات في المدن والقرى بات من الضروري الحصول على فسح للبناء، ويستلزم ذلك تقديم المخطط، وهو ما لم يألفه الناس، فلم يكن هناك مكاتب هندسية منتشرة بكثرة يستطيع من أراد البناء الحصول منها على مخطط للبناء عند حلول قرض الصندوق العقاري، ومن أجل ذلك وتخفيفاً من البلديات على المواطنين في ذلك الوقت، فقد كانت تلك البلديات توفر نماذج لعدة مخططات لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، يستطيع أي مواطن الحصول على أحدها بمبلغ رمزي من أجل استخراج فسح للبناء، والغريب أن من صمم هذه المخططات من الوافدين والذي لم يراعِ خصوصية المجتمع، حيث ظهر ما يسمى ب»البلكونة» وهي شرفة مفتوحة في كل دور، استمرت لعدد من السنين بدون استعمال من أصحاب المنازل، وكان البناء فيما مضى من أجل الحاجة والحصول على منزل يغني عن دفع الأجرة، لكن في هذا الزمن أصبح أكثر كلفة وتعقيداً، وصار الوقت الذي يستغرقه أضعاف ما كان عليه الأمر سابقاً. جني أرباح وبعد الانتهاء من البناء تأتي مرحلة التأثيث التي تستلزم مبالغ طائلة أيضاً، مما يحدو البعض إلى إغلاق منزله وعدم الاستعجال في السكن من أجل شراء الأثاث الراقي الذي يليق بهذا البناء الجميل، أو أن يسكن بعد تأثيث الأشياء الضرورية كالمطبخ وغرف النوم، ومع تقدم الزمن بات البعض يتجه إلى شراء منازل مبنية من قبل بعض التجار يعرضونها للبيع، ولكنها مبنية بأقل التكاليف وأقل المواصفات من أجل جني أرباح كثيرة فتراهم يستخدمون أقل مواد البناء كلفة ولو كانت رديئة، وكذلك يستعينون باليد العاملة منخفضة الأجور ولو كانت تنقصها الخبرة من أجل التوفير في كل شيء، وفي النهاية يقع المشتري في ورطة كبيرة عند شراء المنزل والسكنى فيه بظهور العيوب في وقت قصير من فرحة امتلاكه فتنقلب الفرحة إلى هم وغم وشكاوى ومطالبات في المحاكم من أجل إرجاع المنزل واسترداد القيمة. تأمين ضد العيوب من أجل معالجة الشكاوى التي غصت بها المحاكم جراء تضرر الكثيرين من جشع بائعي العقارات التي تعج بالعيوب ولا تطابق المواصفات والأنظمة فقد صدر قرار مجلس الوزراء بتاريخ 21/ 09/ 1439ه القاضي بإلزام المقاولين في مشاريع القطاع غير الحكومي بالتأمين على العيوب الخفية التي تظهر في المباني والإنشاءات بعد استخدامها، وقد أصدر وزير الشؤون البلدية والقروية قراراً بتطبيق إلزام المقاولين بالتأمين ضد العيوب الخفية التي تظهر على المباني والإنشاءات بعد استخدامها، سواء الهيكلية منها أو غيرها، وجاء هذا القرار بناءً على قرار مجلس الوزراء الموقّر، القاضي بإلزام المقاولين في مشروعات القطاع غير الحكومي، بالتأمين ضد العيوب الخفية التي قد تظهر في المباني والإنشاءات بعد استخدامها، سواء الهيكلية منها أو غيرها، وقيام وزير الشؤون البلدية والقروية بتحديد نطاق تطبيق هذا القرار، من حيث نوعية المباني المستهدفة والنطاق الجغرافي ومدة الضمان، وبناءً على قرار مجلس الوزراء القاضي بالموافقة على تعديل نظام تطبيق كود البناء السعودي، وبناءً على اللائحة التنفيذية المعدلة لنظام تطبيق كود البناء السعودي، فقد قامت وزارة الشؤون البلدية والقروية بتطبيق القرار تدريجياً على أربع مراحل، بدأت المرحلة الأولى من تاريخ صدور هذا القرار وحتى نهاية شهر ذي الحجة من عام 1441ه لتشمل المباني العالية -الأبراج-، المستودعات، المستشفيات، الفنادق، مباني التجمّعات (المساجد - المنشآت الرياضية)، المباني التعليمية، المجمعات التجارية، أبراج الاتصالات، المباني والمنشآت الصناعية، والمباني أقلّ من 23 متراً، المباني عالية الخطورة، وجاءت المرحلة الثانية من نهاية المرحلة الأولى وحتى نهاية شهر ذي الحجة عام 1442ه، وتم خلالها تطبيق الإجراءات، بالإضافة إلى ما جرى تطبيقه في المرحلة الأولى، على مباني التجمّعات (صالات الأفراح، صالات السينما، المسارح)، مراكز الرعاية الصحية، الشقق الفندقية المفروشة، النُّزل، المباني السكنية ومباني الخدمات الترفيهية، فيما جاءت المرحلة الثالثة من نهاية المرحلة الثانية وحتى نهاية شهر ذي الحجة عام 1443ه، وتم تطبيق الإجراءات خلالها بالإضافة إلى ما جرى تطبيقه في المرحلتين الأولى والثانية، على المباني التالية: مباني الأعمال (المطارات، البنوك، محطات التلفزيون، البريد)، لتبدأ بعدها المرحلة الرابعة من نهاية المرحلة الثالثة وحتى نهاية شهر ذي الحجة عام 1444ه، وتم تطبيق الإجراءات خلالها بالإضافة إلى ما تم تطبيقه في المراحل الثلاث على جميع أنواع المباني، وتم تطبيق القرار على جميع أنواع المباني المستهدفة في نطاق مدينة الرياض لمدة ستة أشهر، ابتداءً من تاريخ صدور هذا القرار، كما تم تطبيقه على باقي مدن المملكة، وذلك بعد التنسيق مع مؤسسة النقد العربي السعودي، وتبلغ مدة الضمان عشر سنوات ميلادية، تبدأ من تاريخ سريان وثيقة التأمين الإلزامي على العيوب الخفية، بعد إصدار شهادة الإشغال للمبنى. حماية حقوق وتبلغ قيمة التأمين ما نسبته 1.5 إلى 2 % من تكلفة إنشاء المبنى كاملة يقوم المالك بدفعها على مرحلتين تمثل الدفعة الأولى 30 % من قيمة إنشاء المبنى، وذلك عند إصدار رخصة البناء، والدفعة الثانية 70 % تكون عند اكتمال أعمال المشروع لتفعيل وثيقة التأمين، حيث يتم حينها احتساب القسط المتبقي عند الانتهاء من البناء وذلك على أساس التكلفة الإجمالية لبناء المبنى، ويطبق التأمين على العيوب الخفية على المباني السكنية والتجارية، وسيضمن تغطية الأضرار عن العيوب الخفية وأعمال عزل المياه التي تظهر بعد اكتمال الأعمال الإنشائية، ويمكن التنازل عن التأمين للغير في حال بيع العقار خلال السنوات العشر، وهي مدة سريان وثيقة التأمين، وهذه الوثيقة تهدف لحماية حقوق المُؤمَّن له عن أي عيب في الأعمال الانشائية والتي تضعف من قوة وثبات أو استقرار المبنى الذي يعود سببه إلى قصور في تصميم المبنى أو المواد المستخدمة في البناء أو فحص التربة أو الإنشاء، حيث إن على شركة التأمين في هذه الحالة تقديم التغطية التأمينية بمبالغ وحدود التغطيات الموضحة في جدول الوثيقة وتشمل الوثيقة تعويض المؤمن له عن تكاليف الإصلاح والاستبدال، وتعزيز المباني الناتجة من العيوب الخفية التي تكتشف والتي تبلغ الشركة عنها، وذلك خلال فترة التغطية التأمينية إلاّ ما استثني في هذه الوثيقة، لما قد يسبب أي من الأحداث التالية الأضرار المادية للمباني التهديد بوقوع انهيار وشيك للمباني يتطلب اتخاذ تدابير علاجية فورية لمنع الانهيار الفعلي، وذلك خلال فترة التغطية التأمينية. البيوت الشعبية حلّت محل بيوت الطين مع بداية البناء المسلح نموذج بناء المنازل قديماً صندوق التنمية العقاري ساهم في امتلاك بيت العمر إلزام المقاولين بالتأمين يأتي حماية للمباني من العيوب الخفية إعداد: حمود الضويحي