إن ما تحقق في 2024، ليس إنجازات مؤقتة، بل تأسيسًا لمرحلة جديدة من الحضور السعودي العالمي، فالمملكة اليوم ليست مجرد دولة في قلب الأحداث، بل صانعة لها، تقود بخطى ثابتة نحو مستقبل أكثر أمنًا واستقرارًا.. مع نهاية 2024، تواصل المملكة تموضعها كقائدة سياسية ودبلوماسية للعالمين العربي والإسلامي، وكرقم صعب في التوازنات الإقليمية والدولية، ورغم أن هذا العام شهد تغيرات عميقة في خارطة التحالفات السياسية، وتحديات مُعقدة وأزمات متشابكة، إلا أن حضورها كان استثنائيًا، وبرزت كصوت للعقلانية والاستقرار، مستندة إلى ثقلها التاريخي والروحي وقيادتها الملهمة. وإذا ما أردت اختزال 2024 من الناحية السياسية، فهو عام شهد سقوط أنظمة، وتغير تحالفات، وصعود قوى جديدة، ورغم ذلك نجحت الرياض في إثبات قدرتها على الجمع بين المبادئ الثابتة والمرونة السياسية، لتكون ركيزة أساسية في بناء مستقبل أكثر أمنًا واستقرارًا للمنطقة والعالم. لم يكن التحرك السعودي في 2024 مجرد استجابة للأحداث بقدر ما كان مبادرة استباقية لاحتواء الأزمات وبناء التحالفات، بل كانت المملكة في ظل هذا العالم المضطرب الذي يعج بالصراعات، لاعبًا رئيسًا في الدفع نحو تعزيز الأمن الإقليمي. من أبرز المبادرات السياسية للسعودية هذا العام عقد القمة العربية الإسلامية غير العادية، التي استضافتها الرياض لنصرة غزة ولبنان في أعقاب تصاعد التوترات والانتهاكات الإسرائيلية، وكانت هذه القمة محطة فارقة في تنسيق الجهود العربية والإسلامية لمواجهة التحديات التي تعصف بالقضيتين الفلسطينية واللبنانية. وخلال القمة، تبنت المملكة أجندة واضحة لدعم الشعبين الفلسطيني واللبناني، من خلال تقديم مساعدات عاجلة وإطلاق مبادرات دبلوماسية تهدف إلى فرض وقف إطلاق النار، وإعادة إعمار ما دمرته الحرب، مع التأكيد على أهمية حل القضية الفلسطينية وفق المبادرة العربية للسلام، وتمسكها بضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدسالشرقية، وفق قرارات الشرعية الدولية، وربطت التطبيع مع الكيان المحتل بتطبيق هذه الشروط. وفي تطور مفاجئ، شهدت سوريا في الثامن من ديسمبر الجاري، سقوط نظام بشار الأسد، وهو حدث اعتبر نقطة تحول في مسار الأزمة السورية، وعلى إثر ذلك كان موقف المملكة الرسمي واضحًا ومسؤولًا، يُعبر عنه التزامها بالحفاظ على استقرار سوريا وسلامة أراضيها، مؤكدة أهمية الانتقال السلمي للسلطة وتجنب الفوضى، فضلًا عن فاعليتها في الاتصال بكافة الأطراف، رغبة منها أن يُسهم هذا التغيير في دفع العملية السياسية وتحقيق تطلعات الشعب السوري في الحرية والكرامة، والحفاظ على مؤسسات الدولة وحماية حقوق الأقليات، منعًا لأي فراغ سياسي قد يضر بالمنطقة بأكملها. في قلب هذا التحول يقف ولي عهدنا الأمير محمد بن سلمان، الذي نجح في ترجمة طموحات رؤية 2030 إلى قوة سياسية تتجاوز حدود الاقتصاد والتنمية، وإدراكه العميق بأهمية الجمع بين القوة الناعمة والدبلوماسية الحاسمة، وهو ما مكّن الرياض من لعب دور الوسيط الموثوق، القادر على خلق التوازن بين القوى الكبرى. وشهد هذا العام تعزيز السعودية لعلاقاتها مع الدول الكبرى كالصين والولايات المتحدة وروسيا، مع حفاظها على نهج مستقل ومتزن يخدم مصالحها الوطنية، وتحولت بفضل حنكتها إلى جسر سياسي يربط الشرق بالغرب، دون الوقوع في فخ الاستقطاب. أبرز ملامح السياسة السعودية في 2024 كان تصاعد دورها في المنظمات الدولية، ومبادراتها البيئية والاقتصادية، مُثبتة قدرتها على قيادة الجهود العالمية للتصدي للتحديات الكبرى المتعلقة بالتغير المناخي ودلالاته الجيوسياسية.. أما على صعيد الأمن الدولي، فواصلت المملكة دعمها للجهود الدولية لمكافحة الإرهاب وتعزيز الأمن السيبراني، مع التركيز على بناء شراكات استراتيجية تضمن استقرار أسواق الطاقة العالمية، ولا يمكن إغفال دورها في جمع كبار المنتجين والمستهلكين لتنسيق سياسات أكثر استدامة. مع دخولنا عام 2025، تبدو السعودية أكثر استعدادًا للتعامل مع عالم متغير، فقيادتها السياسية تعتمد على رؤية طموحة تجمع بين العمق الاستراتيجي والواقعية السياسية، وهو ما يجعلها قادرة على مواجهة التحديات وتحويلها إلى فرص. إن ما تحقق في 2024، ليس إنجازات مؤقتة، بل تأسيسًا لمرحلة جديدة من الحضور السعودي العالمي، فالمملكة اليوم ليست مجرد دولة في قلب الأحداث، بل صانعة لها، تقود بخطى ثابتة نحو مستقبل أكثر أمنًا واستقرارًا.. دمتم بخير.