لقد استخدمت مفردة "التدين" في عنوان هذا المقال إيماناً مني بأن لا علاقة بين التطرف والدين. وأن محاولة تصوير الأديان بأنها متطرفة ما هي إلا ثيمة في خطاب منتقديها، حيث درجت الكتابات الغربية عن التطرف -لا سيما المدرسة الأميركية- في البحث عن الجذور الدينية للتطرف كون الدين -في حد ذاته- نطاقا هوياتيا داخليا يحدد هوية متبعيه بدقة ويضعها في مقابلة مع الهويات الأخرى (نحن وهم) وغالباً ما ينشأ عن ذلك الرغبة في إلغاء هذه الهويات الأخرى لا سيما مع الأديان التبشيرية. وبالمقابل تنظر هذه المدرسة إلى الإلحاد وهو في أبسط تعريفاته هنا "انتفاء وجود الدين" بأنه النطاق التعددي الذي يمكن للجميع العيش فيه دون الحاجة إلى التقابل الهوياتي بين المجموعات البشرية مما يلغي -حسب زعمها- فكرة التطرف، ولكن الحقيقة غير ذلك تماماً، فكما أن التطرف قد يعود لأسباب دينية لا دخل للدين نفسه فيها وإنما ناتجة عن استخدامه من قبل بعض معتنقيه لتحقيق أهدافهم الخاصة، أو لوجود خلل لدى هؤلاء المنتسبين له في تصوراتهم عن الحياة والكون والآخر، فإن الإلحاد هو الآخر قد يكون سبباً من أسباب التطرف بنفس الدرجة والحدية، يطلق على هذا النوع من الإلحاد (الإلحاد المسلح) وهو عبر سياقه التاريخي كان جزءًا لا يتجزأ من المادية الماركسية اللينينية، وكان له تأثير كبير خلال الثورة الفرنسية، وخلال تبني عقيدة إلحاد الدولة في الاتحاد السوفيتي، والثورة الثقافية البروليتارية الكبرى. ولعل آخر الأمثلة على هذا النوع من الإلحاد وأنصعها ما قام به الطبيب الملحد طالب العبدالمحسن في سوق عيد الميلاد بمدينة ماغديبورغ، حيث قاد هذا الرجل سيارته بسرعة جنونية داخل السوق مما أدى إلى وفاة أحد عشر شخصاً وجرح ثمانين منهم. لقد وصل هذا المتطرف إلى ألمانيا عام 2006م والمفارقة أنه عمل طبيبًا نفسيًا، وحصل على اللجوء السياسي مدعياً أن حياته في خطر في السعودية، والصحيح أن حكومة المملكة قد حذرت السلطات الألمانية من هذا المتطرف وطالبت بتسليمه ولكن دون جدوى. وقد وجه له الادعاء العام الألماني مئتين وخمسة اتهامات بالشروع في القتل، وثبت أنه كان يرصد جوائز لمن يحدد مقر تواجد السفير السعودي، وأنه كان هناك العديد من التهديدات وأدلة التطرف الواضحة في حسابات التواصل الاجتماعي الخاصة به. لقد وصفت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر هذا المتطرف بأنه معادٍ للإسلام، مشيرة إلى تصريحاته الحادة ضد الدين على وسائل الإعلام. لقد بدأت قصة هذا المتطرف بطلب لجوء سياسي كاذب قبل 18 عامًا، لكنها انتهت بمأساة هزت الرأي العام الألماني والعالمي، والسبب هنا الإلحاد وليس الدين، وثغرة "حقوق الإنسان" المزعومة.