أتصور أن تجربة (برنامج طاهي الإبل) جديرة بالاهتمام والمتابعة، ولديها إمكانية الانتقال بالمطبخ السعودي وأطباقه إلى العالمية، وبدون أن يخسر هويته المحلية، وأرقام وزارة الاستثمار السعودية لعام 2022 مبشرة، وتفيد أن حجم الاستثمار في قطاع المطاعم وصل ل221 مليار ريال، وأنه يأتي في المركز الثاني لقطاعات إنفاق السعوديين وبما قيمته 55 مليار ريال سنويًا.. في العام الجاري 2024، أعلن المعهد الدولي لفن الطهي والثقافة والفنون والسياحة، وبجهود من هيئة فنون الطهي بوزارة الثقافة السعودية، منح لقب منطقة فنون الطهي العالمية لعسير، كأول مكان خارج أوروبا يحصل على هذا اللقب، والطبق الرسمي المناطقي لعسير هو الحنيذ، وواحة الأحساء مسجلة في قائمة التراث العالمي باليونسكو، كأكبر واحة نخيل في العالم، لاحتوائها على مليون وخمس مئة ألف نخلة، وفي هذا إحالة على إنسان الجزيرة العربية القديم الذي اعتمد في غذائه على التمر واللبن والسمن، ومعها الحضور اللافت لمدينة بريدة عام 2023، أثناء مشاركتها في معرض تاريخ الطهي الباريسي، ومنطقة القصيم إجمالا طبقها المناطقي هو (الكليجا)، ومصطلح الطهي نفسه ظهر في القرنين السابع عشر والثامن عشر، إلا أن التاريخ الفعلي لطهو الطعام، وفق المختصين، أقدم من هذه التواريخ. الفرنسيون أصحاب مطبخ عريق ومتفرد، وهم يعتقدون أن طباخة الأطعمة برزت بشكل واضح في زمن الملك الفرنسي شارل الخامس، وتحديدا في مأدبة أقامها عام 1378، وأشرف عليها طباخ القرون الوسطى الكبير (تايفان)، والسابق يؤرخ لفنون الطبخ الفرنسي، التي يصل عمرها لست مئة عام، وأنها لا تعتمد على التوابل وحدها لإخفاء طعم اللحوم الفاسدة، علاوة على أن كلمة مطعم اختراع فرنسي، ومعناها تناول الطعام خارج البيت، واستخدمت للمرة الأولى في باريس، وكانت بدايتها في القرن الثامن عشر الميلادي، وقد تم اقتباسها في بقية اللغات الأوروبية لذات الغرض، وابتكارات الفرنسيين الغذائية تعتبر الأشهر عالميا، كخبز الباغيت والكرواسون، مع ملاحظة أن المطبخ الإيطالي هو الأقدم، والفرنسي الأميز، ومن الناحية التاريخية أقدم الأطباق كانت ألمانية، والبرغر نفسه ليس أميركيا مثلما يقال، ولم يصنع بمعرفة الأميركان في 1904، والصحيح أن أصوله تعود للمطبخ الألماني قبل أكثر من أربع مئة عام. في المقابل لم يعرف السعوديون الذهاب إلى المطاعم إلا في الطفرة الأولى، أو ما بين عامي 1975 و1983، فقد كان الثابت هو أن يأكل الناس في البيوت أو في ضيافة برية لأحدهم، والرحالة الغربيون عندما زاروا الأراضي السعودية وثقوا لبعض الأطباق المحلية المعروفة، ومن هؤلاء؛ ويليام جيفرد الذي ذكر الجريش والقهوة الشقراء والتمر، وتشارلز داوتي وكلامه عن المقشوش والقرصان، وماكس هيرمان وتناوله للخبز الساخن المحضر من القمح والشعير، والخبز يعتبر الطعام الأساسي الأول للإنسان، وتوجد نقوش وحفريات أثرية في المملكة، تشير إلى أن مهنة الخباز بدأت في هذه الأرض أيام الحضارة الدادانية في القرن الثامن قبل الميلاد. الجريش يمثل الطبق السعودي الوطني، ومعه الحلوى الوطنية المقشوش، بخلاف الأطباق المعتمدة لمناطق المملكة، فالرياض طبقها المرقوق، ومكة السليق، والمدينة الأرز المديني، والحدود الشمالية المليحية، والجوف البكيلية، والباحة خبز المقناة، وحائل كبيبة حائل، ونجران الرقش، والشرقية الأرز الحساوي، وجازان المغش، وأتصور أن تجربة (برنامج طاهي الإبل) جديرة بالاهتمام والمتابعة، ولديها إمكانية الانتقال بالمطبخ السعودي وأطباقه إلى العالمية، وبدون أن يخسر هويته المحلية، وأرقام وزارة الاستثمار السعودية لعام 2022 مبشرة، وتفيد أن حجم الاستثمار في قطاع المطاعم، وصل ل221 مليار ريال، أو قرابة 59 مليار دولار، وأنه يأتي في المركز الثاني لقطاعات إنفاق السعوديين، وبما قيمته 55 مليار ريال سنويا، أو حوالي 14 مليارا و667 مليون دولار. الإعجب أن بريطانيا ليس لديها مطبخ، وأكلتها الوحيدة المعروفة اسمها (فيش أند شيبس) أو سمك وبطاطس، والسمك دائما من نوع (القد)، والأخير فيه إشارة سياسية مهمة، فقد اعتمد عليه الفايكنغ كمصدر غذاء رئيس، لأنهم كانوا في الأساس من سكان الدول الاسكندافية التي لا تزورها الشمس إلا ساعات قليلة في اليوم، واستطاعوا، من خلاله، تجاوز إشكالية نقص فيتامين (دال)، المتوفر في الأشعة الشمسية فوق البنفسجية، والحصول على صلابة في العظام وأجسام صالحة لكسب الحروب، ووجود الطبق وشعبيته يرجع إلى حقبة ممالك الفايكنغ في بريطانيا، واللافت هو أن الكرواسون الفرنسي صنع على شكل هلال راية العثمانيين، لتخليد هزيمة الأوربيين المدوية والقاصمة للدولة العثمانية، وتراجع دورها، وتحديداً في معركة فيينا عام 1683، ومزارع البن والسكر، لعبت دورا في خطف واستعباد ما يزيد على ثمانية ملايين إفريقي، وانعكس تأثيرها على التركيبة الأثنية والعرقية، وبالأخص في أميركا الشمالية وأميركا اللاتينية، وغاندي هزم بريطانيا وأغلق ملف استعمارها، بمسيرة الملح السلمية، التي لم يقبل فيها الهنود فرض ضرائب على ملح التجار الإنجليز وقاطعوه، واستبدلوه بملح البحر، وبالتالي فالطعام يقوم بأدوار مؤثرة في السياسة كما الاقتصاد. ابن خلدون كتب في مقدمته عن انعكاسات الطعام السلوكية والبيولوجية، وهناك علم (الأجناس النباتية) الذي يبحث في سمات المجتمعات وشخصياتها، وعلاقتها بما يأكلونه، وتأثيره على اتخاذهم للقرارات، وطريقة تنفيذها، والمسألة أخطر وأعمق مما نتصور، ولا بد أن تدرس بعناية لتحقيق النتائج المطلوبة، على المستوى المحلي.