في مواجهة أسوأ تباطؤ اقتصادي منذ سنوات، بدأت الصين في البحث عن موارد جديدة تدر المزيد من الأموال على الخزينة العامة للدولة، وأحد هذه الخيارات هو تضييق الخناق على التهرب الضريبي، وتحصيل المزيد من العوائد على مكاسب المستثمرين الصينيين في الخارج، وتستغل السلطات قاعدة بيانات ضخمة في إغلاق الثغرات القانونية، وتشمل الشرائح المستهدفة رجال أعمال يستثمرون في الخارج، ووثائق تأمين، وصناديق عائلية، والمتداولون في البورصات الأجنبية، ويتم إرسال رسائل وإشعارات من مكاتب الضرائب المحلية إلى هؤلاء الأشخاص من أجل إجراء تقييمات ذاتية على مكاسبهم في الخارج خلال العامين الماضيين، وتسوية أي مبالغ غير مدفوعة. يعد تحصيل الضرائب رهاناً مواتياً للسلطات الصينية في مواجهة التباطؤ الاقتصادي، باعتباره مورداً هائلاً يوفر إيرادات قياسية، حيث بلغت عائدات الضرائب 154.5 مليار دولار في نوفمبر الماضي، وهذا يمثل انخفاضًا عن 269 مليار دولار في أكتوبر، ويتم تحديث بيانات عائدات الضرائب شهريًا، بمتوسط 73.3 مليار دولار من يناير 1995 إلى نوفمبر 2024، وتجمع السلطات الضريبية هذه البيانات منذ عام 2017 بموجب معايير الإبلاغ المشتركة، التي تساعد السلطات في اكتشاف التهرب الضريبي، لكن السلطات بدأت هذا العام فقط، في تشديد قبضتها على المتهربين على نطاق واسع، وقد استغرق الأمر بعض الوقت لبناء قاعدة بيانات ومشاركة المعلومات مع مسؤولي الضرائب المحليين، فيما أدت جائحة كورونا في عام 2020 إلى تأخير عملية بناء قاعدة بيانات موثقة. انخفاض مؤلم في عائدات الضرائب تأتي هذه الحملة الموسعة من قبل السلطات الصينية، في ظل انخفاض مؤلم في عائدات الضرائب للحكومات المحلية بسبب التباطؤ الملحوظ في قطاع العقارات، وقد أجبر هذا الانحدار السلطات الضريبية على البحث عن مصادر جديدة للدخل بخلاف مبيعات الأراضي، ويسلط هذا التوجه الضوء على كيفية استخدام البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي في مراقبة أموال الشركات ودافعي الضرائب، وتفرض الصين ضريبة تصل إلى 20 % على دخل المواطنين من الخارج، إلا أن فرض مثل هذه الضريبة بشكل صارم سلاح ذو حدين، لأن هذا الأمر قد يؤدي إلى تسريع هجرة الصينيين الأثرياء. تعتبر فترة تقديم الإقرار الضريبي السنوي بين 1 مارس و30 يونيو من العام التالي، ولا يوجد إقرار ضريبي مشترك في الصين، حيث يتم تقييم الأزواج والزوجات وفرض الضرائب عليهم بشكل منفصل، ويجب تقديم الإقرارات الضريبية في الوقت المناسب، وخلال عام 2024، أصدرت مصلحة الضرائب الصينية تعليمات للأفراد ب"الفحص الدقيق" إذا كانوا قد حصلوا على دخل من الخارج خلال عامي 2022 و2023، مع ضرورة تصحيح الإقرار الضريبي بصدق، ويعد الأثرياء هم المستهدف الأساسي من هذه الإجراءات المشددة، بهدف تحصيل الضرائب على أصولهم الخارجية،ويغطي التدقيق الضريبي الحالي مساهمو الشركات المدرجة في هونج كونج التي حققت أرباحاً، وحاملي جوازات السفر الصينية الذين يعملون كمسؤولين تنفيذيين في شركات خاصة خارج البلاد. خلال الأشهر الأخيرة، استدعت السلطات الضريبية كبار المسؤولين التنفيذيين في شركات التكنولوجيا الصينية المدرجة في الخارج لتقييم مكاسبهم في الخارج، في الوقت نفسه، ترسل إشعارات ضريبية إلى كبار المسؤولين التنفيذيين في شركات عقارية مدرجة في بورصة هونج كونج، ويتم إرسال إشعارات أيضاً إلى الأشخاص الذين جنوا مكاسب من تداول أسهم شركات مدرجة في الولاياتالمتحدة، وهونج كونج، من خلال منصات الوساطة عبر الإنترنت. تنامي العولمة تاريخياً، لم يكن لدى الصين نظام راسخ لتحصيل الضرائب على المكاسب الخارجية، إلا أن تنامي العولمة، والضغوط الاقتصادية، وتأزم الوضع الجيوسياسي، جعل الصين تعطي أولوية للتفكير في نفسهاعبر تحصيل المزيد من الإيرادات الضريبية، وبالتالي بدأت السلطات في تكثيف عمليات التحقق الضريبي، مما دفع البعض إلى النظر في أماكن إقامتهم الضريبية، ويعتبر الأثرياء الذين تبلغ أصولهم الصافية 30 مليون دولار على الأقل، أو الذين تتركز أصولهم في الخارج أكثر عرضة للاستهداف من قبل السلطات الضريبية. في الغالب، عندما يتلقى الأفراد أوامر التقييم الذاتي يرتبكون بشأن مقدار ما يجب عليهم الكشف عنه، وإذا لم يبلغ شخص عن حساباته المصرفية في الخارج، فإنه بذلك يكون قد أهمل في التعامل بجدية مع التدقيق الضريبي، وبالتالي يصبح عرضة للعقاب، وتركز السلطات على أثرياء المدن الكبرى مثل شنجهاي وبكين وقوانجتشو، وتشمل البيانات التي يتم جمعها تفاصيل واسعة النطاق عن أصول المواطنين في الخارج، بما في ذلك أرصدة نهاية العام، ودخل الفائدة، وسجلات تداولات الأسهم، وتعزز هذه البيانات ما يُعرف بنظام الضرائب الذهبي، وهو إطار تحصيل يساعد السلطات على تشديد الرقابة. يخضع المواطنون في الصين لضرائب على دخولهم وأرباح استثماراتهم في جميع أنحاء العالم، على غرار الوضع في الولاياتالمتحدة وغيرها من الاقتصادات المتقدمة، وقد زادت السلطات الضريبية من جهودها للقضاء على التهرب الضريبي في السنوات الأخيرة، وفرضت مئات الملايين من الدولارات كغرامات على الممثلين ومقدمي البث المباشر، وتساعد زيادة تحصيل الضرائب الحكومات المحلية في تعويض انخفاض الإيرادات، وبحسب التقديرات، فإن الضرائب المتعلقة بالأراضي ولدت إيرادات بنسبة 27 % من إجمالي الإيرادات المالية للحكومات المحلية في الصين خلال عام 2023، بانخفاض عن 38 % في عام 2021، بينما تظهر البيانات أن الإيرادات المالية انخفضت بنسبة 1.3 % خلال 11 شهراً، ومن الواضح، أنه يتم حالياً إعادة هيكلة النظام الضريبي في الصين، بهدف تحسين مالية الحكومات المحلية حتى تتمكن من تقليص الاعتماد على بيع الأراضي. بحسب قانون الضرائب الصيني، فإن الشركات التي يؤسسها مواطنون صينيون في ولايات قضائية منخفضة الضرائب تخضع لعمليات تفتيش إذا لم يكن هناك سبب تشغيلي ضروري للتواجد هناك، وبما أنه من الشائع أن تؤسس الشركات الصينية كيانات في جزر فيرجن البريطانية لغرض تلقي المدفوعات، فإن السلطات الضريبية تلاحق المساهمين في هذه الهياكل المؤسسية، ومع ذلك، فإن فرض المزيدمن القيود الضريبية الصارمة يدفع ببعض الأثرياء للخروج من البلاد، ومع انزلاق الاقتصاد الصيني إلى حالة من الركود، فقد غادر البلاد أكثر من 15 ألف ثري صيني في عام 2024، بزيادة قدرها 10 % عن 13.800 في عام 2023، وتعد الولاياتالمتحدة، العدو اللدود للصين، الوجهة الأولى لهؤلاء، وللمقارنة، فإن بريطانيا شهدت خروج 9500 مليونير، والهند 4300 مليونير، أما كوريا الجنوبية، وروسيا، والبرازيل، وجنوب أفريقيا، وتايوان، ونيجيريا،وفيتنام، فقد شهدت مجتمعةً خروج نحو 4600 مليونير، ومن المتوقع أن يكون الأثرياء الصينيون أكثر حذراً عند الاستثمار في الخارج، وفي أسوأ السيناريوهات، قد يتخلوا طواعية عن جنسيتهم الصينية. أزمة عقارات مطولة ونظراً إلى أن هجرة أثرياء الصين أصبحت أمراً واقعاً، فإن هذا الأمر يزيد الضغوط على الاقتصاد المتباطئ، الذي يعاني أزمة عقارات مطولة أدت إلى غرق شركات التطوير العقاري الكبرى وإلحاق ضرر بالغ بالثروات في ثاني أكبر اقتصاد عالمي، في حين أثقل كاهل الحكومات المحلية بالديون المتراكمة، وبينما يواجه العالم عاصفة كاملة من التوترات الجيوسياسية، وعدم اليقين الاقتصادي، والاضطرابات الاجتماعية، فإن الهجرة الكبرى لأصحاب الملايين تعتبر مؤشراً رئيسياً على تحول عميق في المشهد العالمي للثروة، كما تسلط الضوء على المسار المستقبلي للدول التي يتركها الأثرياء، أو الدول التي يهاجرون إليها. الضرائب مورد هائل يوفّر إيرادات قياسية للدولة الصينية تقرير: د. خالد رمضان