مع انقضاء شهر نوفمبر وانتهاء موسم التخفيضات السنوي، نحمد الله أن هذه الحمى التي اجتاحت كل مكان قد هدأت أخيرًا. التخفيضات كانت تطل علينا من كل زاوية، من المتاجر والمواقع الإلكترونية إلى وسائل التواصل الاجتماعي وحتى التطبيقات اليومية. المسميات تعددت وتلونت، من "الجمعة البيضاء" و"الخضراء" إلى "الصفراء"، بل حتى النوادي الرياضية دخلت السباق « بالجمعة القوية» . لم يعد بالإمكان تفادي الإعلانات، وكأنها تلاحقنا لتذكرنا بالعروض في كل لحظة. هذا الموسم، الذي بدأ كفرصة للتوفير والحصول على منتجات بأسعار أقل، كشف أبعادًا أعمق عن علاقتنا بالاستهلاك. فهو من جهة يقدم فرصًا للتوفير، لكنه من جهة أخرى يعزز النزعة الاستهلاكية التي قد تؤدي إلى اختلال في ميزانيات الأسر أو تراكم ديون غير محسوبة. ومع التسويق المتقدم والإغراءات البصرية، أصبحت الرغبات تُصاغ بأسلوب يجعلها تبدو وكأنها احتياجات أساسية، مما يربك الأولويات ويزيد الضغط على الأفراد. وفي ظل هذه التحديات، يظهر جانب آخر لهذه الظاهرة، وهو كيف تحول التسوق إلى نشاط اجتماعي ونفسي يعكس الهوية والرغبة أكثر مما يلبي الحاجة. التسوق في هذا الموسم لم يكن مجرد شراء، بل كان استجابة لدعوات التسويق التي تحفز على الشراء حتى لو لم تكن الحاجة ماسة. مع انتهاء هذا الموسم، يبقى السؤال: كيف يمكننا إعادة تقييم علاقتنا بالاستهلاك؟ الاستفادة الحقيقية من مثل هذه المناسبات تتطلب وعياً أكبر بالتخطيط وتحديد الأولويات، بعيداً عن الاندفاع وراء العروض التي قد تكون غير ضرورية. وفي النهاية، القرارات الشرائية ليست مجرد أفعال يومية، بل هي انعكاس لقيمنا وطريقة تعاملنا مع العالم من حولنا.