يعتبر التسوق من أهم المتطلبات الحياتية، وأمر طبيعي يقوم به الجميع، ولكن مع تطور «التكنولوجيا» وتسهيلها للشراء عبر مواقع التواصل والتطبيقات، أصبح هناك فئة من الناس يفرطون في ذلك إلى أن أصبح هوساً وإدماناً، فيتحول من مُتطلب إلى مرض يجب أن يعالج، فينتج عن ذلك أموراً سلبية تنعكس على حياة الفرد وعلاقاته مع الآخرين. وأثبتت دراسة بريطانية أن 80 % من النساء يعانون من هوس التسوق، كما أثبتت دراسة أخرى أن هناك علاقة وطيدة بين هوس الشراء والاكتئاب، خاصةً بين 30 % من النساء اللاتي يدمن التسوق، كما كشفت دراسات أن نسبة النساء المهووسات بالشراء قد تصل إلى 90 %، أمّا الرجال فينظرون إلى التسوق على أنه روتين لشراء سلع معينة بقصد استخدامها فى الحياة العادية، وهم أكثر مللاً من النساء فى ذلك، وعلى النقيض يرى خبراء الصحة النفسية أن الرجال أيضًا معرضون لإدمان التسوق، وقد يكون بينهما فارق بنسبة لا تتجاوز 20 %، وكلاهما تجمعهما ضغوط الحياة النفسية والاجتماعية، وهناك عدة عوامل تزيد من نسبة التعرض بهوس التسوق منها الفراغ بشكل عام، والشعور بالحرمان، وحاجة الإنسان إلى ما يبعده عن التفكير، وكذلك عدم الرضا عن النفس، والعوامل المحيطة بالفرد مثل الأُسرة، وسهولة التسوق الإلكتروني. تسوق قهري وقالت ماجدة الشهري - أكاديمية تخصص علم النفس -: هوس التسوق أو نسميه «التسوق القهري» هو الاندفاع نحو الشراء الذي يظهر على شكل سلوك لا يمكن مقاومته أو سلوك لا شعوري، ومن الممكن أن يتحدد من خلال مؤشرات أساسية مثل إنفاق كمية من المال، ولا يشترط أن تكون السلع غالية لكن كميتها كبيرة، حيث الشعور بالسعادة ولذه قوية جداً عند الشراء، مضيفةً أن هناك من يكذب في الإفصاح عن كمية المال التي أنفقها بسبب الحرج، وقد يتورط بالديون، مبينةً أن هناك من يتسوق من أجل التخلص من التوتر والقلق أو المشاعر السلبية، ذاكرةً مستوى وعمق ذلك السلوك ومدى ارتباطه باضطرابات أخرى، حيث وجد الباحثون أن له علاقة أحياناً بإصابة الشخص باضطراب الاكتئاب، وبالتالي قد يحتاج لمراجعة معالج نفسي، وربما يصرف له أدوية نفسية، وكذلك قد يواجه العلاج المعرفي السلوكي خلال جلسات نفسية، وبإمكاننا تشخيص وتسمية الحالات بأنها هوس تسوق، مشيرةً إلى أن المؤثرات التي تزيد من نسبة الهوس بنسبة 10 - 15 % قد تكون وراثية، وقد تبدأ في سن مبكرة أحياناً، وقد يكون لها علاقة بتدني تقدير الذات أو الإهمال النفسي من قبل الأهل مثل الحرمان العاطفي بين الطفل ووالدته، أيضاً ضمن الأسباب سوء العلاقة مع الزوج أو الأبناء، ووجود تدني في مستوى الثقة بالنفس، مما يعطيهم التسوق الإشباع العاطفي عوضاً عن ذلك الحرمان. صعوبة الضبط وتحدثت د. البندري العتيبي - أكاديمية تخصص علم النفس - قائلةً: توجد العديد من المؤشرات على حالة إدمان التسوق منها على سبيل المثال الحاجة الملحة للشراء، والتي يجد الفرد صعوبة شديدة في ضبطها، فتجده يتتبع التخفيضات حتى وإن كان لا يحتاج لتلك المنتجات، ويتأثر بشكل سلبي من النواحي المادية، ومن الممكن أن يؤثر هذا السلوك على أفراد عائلته أيضاً، ومن المؤكد أنه إذا وجد الفرد نفسه يخفي ذهابه إلى السوق أو يخفي المبالغ التي صرفت فيه فإنه يعاني نوعاً ما من إدمان الشراء، متطرقةً عن كيفية معالجة الهوس: في الغالب أسباب الإدمان على الشراء نفسية، لذا فإن استهدافها بالخطط العلاجية سيكون ضرورة، أيضاً على الفرد إذا أراد التخلص من هذا الإدمان أن يعد قائمة بالأشياء التي يحتاجها في السوق، ويحرص على وجود صديق معه في هذه الرحلات، وأن يقاوم هذا الميل بالسؤال عند كل موضوع يود شراؤه: هل فعلاً أحتاج هذا المنتج حالياً؟، عليه أيضاً أن يطور عادات جذابة وفعالة لإدخال السرور عليه، مبينةً أن هوس التسوق ليس مدرجاً بالأمراض النفسية، على الرغم من أن البعض يرى إمكانية ضمه إلى الاضطرابات القهرية، لافتةً إلى أن من أهم الموثرات التي تزيد من نسبة نمو الهوس هي العوامل النفسية بشكل عام، كمستوى الضغوط التي يواجهها الفرد والاحباط والحزن والغضب، مُشددةً على دور الثقافة في زيادة نمو هذا الإدمان بتقديم صورة إيجابية لقضاء الوقت في التسوق والشراء. تسويق وإعلان وذكر أحمد المطوع - أكاديمي تخصص تسويق - أن الطرق الحالية المستخدمة في التسويق والإعلانات تعتبر أحد العوامل المسببة لهوس التسوق؛ لأن المبالغ التي تنفقها الشركات سنوياً تتجاوز 500 مليار دولار فقط في الإعلانات التجارية، لذلك من الطبيعي أن يكون لها مردود أكبر، مضيفاً أن تطور صناعة الإعلانات تتغير بسبب ارتباطها بمراقبة السلوك البشري، بما معناه أنه أصبحت الشركات تعرف من هو العميل المحتمل وتركز عليه عبر الإعلانات والحملات الترويجية. وقال سعود التويم - تخصص تسويق -: إن أحد أهم أهداف التسويق هو زيادة المبيعات بغض النظر عن كون العميل بحاجة لشراء المنتج أو لا، لذلك تجد الجهود التسويقية التي تقوم بها الشركات تحفز العميل على الشراء في كل وقت حتى أصبح الشراء ليس مجرد سد حاجة، بل أصبح اليوم متعة بحد ذاته عند الكثيرين، متأسفاً أننا نجد بعض الأشخاص يرهق نفسه وأهله بسبب هذا الهوس الذي أصاب الكثير من أفراد المجتمع، بحجة أن الجميع يشتري، وكذلك بسبب التسارع في التغيرات التي تطرأ على المنتجات، فيظن المستهلك أنه بحاجة للشراء والتغيير، فعلى سبيل المثال الملابس، في كل عام تتغير «الموديلات» والتصاميم لكل فصل من الفصول، وفي كل عام تظهر موضة جديدة تحفز أو تجبر المشتري بطريقة غير مباشرة على الشراء والتغيير، وذلك كله من التسويق الذي قد لا يشعر به المستهلك بشكل مباشر، إضافةً إلى أنه لو نظرنا إلى سوق الهواتف الذكية وعدد الأجهزة التي تتغير بشكل سنوي وأحيانًا عدة مرات في العام، كل ذلك لأجل تحفيز الزبائن على الشراء بالرغم من قلة التغييرات الجوهرية في الأجهزة، ولكن قوة التسويق والإعلانات تساهم في تشجيع العميل على مزيد من الشراء وتتبع آخر المتغيرات في الأجهزة. عروض توفيرية وأوضح التويم أنه بالرغم من ارتفاع أسعار كثير من السلع والخدمات التي تباع اليوم إلاّ أن معدلات الشراء في ارتفاع، وللتسويق سبب كبير في هذا الارتفاع، حيث يتم تشجيع العميل على الشراء بتسهيلات مالية وعروض مغرية قد يكون ظاهرها رحمة وتيسيرا، ولكن باطنها فيه تكاليف والتزامات مالية مرهقة في بعض الأحيان، مضيفاً أنه من الأمثلة كذلك العروض التوفيرية، فقد يرى المستهلك سلعة اليوم أرخص مما كانت عليه في السابق فيتمنى شرائها بسبب رخصها وليس بسبب حاجته للشراء، فأحيانًا يقوم بشراء السلعة بحجة التوفير ولكن واقعياً لا يستفيد منها وتصبح مجرد سلعة مهملة غير مستفاد منها، لذلك تجد التسويق الآن أصبح أذكى وأعمق من السابق، حيث تتم ملاحقة العميل للشراء في كل مكان، ودراسة هذا العميل وفهم احتياجاته ورغباته ثم مطاردته بها في مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت، فتجد نفسك اليوم تبحث عن سلعة معينة على الإنترنت ثم تلاحظ هذه السلعة تظهر لك في كل مكان وعلى كل تطبيق على الهاتف الجوال، وذلك بسبب استخدام هذه البيانات في التسويق وتحليل ميول ورغبات المستهلك لزيادة القدرة في التأثير عليه للشراء. لا تنجرف وأبدى د. أحمد بن سهيل عجينة - عميد كلية الإدارة في جامعة الأمير سطام بن عبدالعزيز، ومتخصص في التسويق وسلوك المستهلك - رأيه في الطرق الحالية في التسويق قائلاً: ما نراه اليوم هو زيادة في النهم الاستهلاكي، وهذا طبيعي في كثير من المجتمعات والأسواق الناشئة، ولا يصح وصفه بالهوس، وفي حالة وجود بعض الشواهد، فهذا لا يعني أنه يمكن تعميمها أو الحديث عنها بأنها ظاهرة، ومن الطبيعي أن تسعى الشركات للترويج لمنتجاتها بشتى الطرق، خاصةً تلك الطرق التي أثبتت جدواها لدى العملاء المستهدفين، مبيناً أنه من واجب العميل أن يكون أكثر وعياً، وألا ينجرف نحو المنتج بسبب الإعلان عنه، بل يبحث عن المنتج الذي يحقق له أكثر منفعة، مشيراً إلى أن الإعلانات طريقة لإخبار الناس وإقناعهم بالمنتج فقط. أحمد المطوع د. أحمد بن سهيل عجينة سعود التويم