بدأ تاريخ الذكاء الاصطناعي رسميًا في عام 1956 مع مؤتمر عُقد في كلية دارتموث الأمريكية، حيث اجتمع مجموعة من العلماء والمفكرين لمناقشة الإمكانات المستقبلية لتطوير آلات قادرة على التفكير والتعلم. في التسعينيات، شهد مجال الذكاء الاصطناعي انتعاشاً ملحوظاً، ومن أبرز إنجازاته كان في عام 1997، عندما تمكن برنامج "ديب بلو" من شركة IBM بهزيمة بطل العالم في الشطرنج، غاري كاسباروف، الذي احتفظ بلقبه لمدة 15 عامًا. أظهرت هذه المواجهة القدرات الفائقة للذكاء الاصطناعي في مجالات معينة، وألقى الضوء على إمكانية تطوير أنظمة تستطيع التفوق على البشر في مهام معقدة. اليوم، أصبح الذكاء الاصطناعي جزءًا أساسياً من حياتنا اليومية، حيث تجاوز دوره من المساعدات الرقمية إلى أنظمة التوصية المتقدمة. فما هو هذا الذكاء الذي يكتسب كل هذه الأهمية، وكيف يساهم في تشكيل حاضرنا ومستقبلنا؟ الذكاء الاصطناعي هو فرع متقدم من علوم الحاسوب يهدف إلى تطوير أنظمة قادرة على "التفكير" و"التعلم" بطريقة مشابهة للعقل البشري. يتضمن مجموعة من المهارات مثل التعلم الآلي، التفكير النقدي، التفاعل الاجتماعي، المحادثة، والإرشاد والخدمة، بالإضافة إلى توليد المعلومات وحل المشكلات المعقدة. تشمل التقنيات المستخدمة في هذا المجال الشبكات العصبية الاصطناعية، التي تحاكي طريقة عمل الدماغ البشري في معالجة المعلومات. كما تتضمن معالجة اللغة الطبيعية، التي تمكّن الآلات من فهم اللغة البشرية والأوامر الصوتية، مما يعزز قدرتها على التفاعل بشكل سلس وفعّال مع المستخدمين. أفضل مثال على قدرة الذكاء الاصطناعي هو روبوت صوفيا، التي مُنحت الجنسية السعودية في عام 2017 خلال مؤتمر عُقد بالرياض تحت عنوان "مستقبل الاستثمار". أثارت صوفيا في عدة لقاءات دهشت الجميع بغزارة معلوماتها وسرعة إجاباتها، وقدرتها الفريدة على إجراء محادثات سلسة وغنية وتفاعل مليء بالحيوية مع السائلين، حيث تعكس طابعًا عاطفيًا من خلال تعبيرات وجهها ولغة جسدها وإيماءاتها المتنوعة، بدءًا من الابتسامات وصولًا إلى التعابير الجادة، مما يُظهر استجابتها لمشاعر الآخرين ويعزز التفاعل والتواصل الإنساني. تتداخل تقنيات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي العديدة مع تقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز، حيث تُستخدم هذه التقنيات معًا لإنشاء تجارب تفاعلية تشبه الواقع. في التعليم، يُساعد الواقع الافتراضي على توفير بيئات تعليمية تفاعلية تجعل التعلم أكثر متعة، بينما يُعزز الواقع المعزز التجربة من خلال دمج العناصر الرقمية مع ما نراه في العالم الحقيقي. كما تتيح تقنية النمذجة ثلاثية الأبعاد تصميم نماذج دقيقة تُستخدم في مجالات مختلفة، مثل الهندسة والطب والمشاريع، مما يُحسن دقة التصاميم ويساعد في تقديم حلول مبتكرة يمكن تعديلها بسهولة قبل البدء في التنفيذ. ينقسم الذكاء الاصطناعي إلى عدة أنواع رئيسة. يركز "الذكاء الضيق" على أداء مهام محددة، مثل التعرف على الوجه والصوت والحركة. في المقابل، يشمل "الذكاء العام" الأنظمة القادرة على أداء مهام عقلية كالتي يقوم بها البشر. هناك أيضًا "الذكاء التفاعلي"، الذي يتفاعل مع المستخدمين مثل الدردشة الذكية والترجمة الفورية، بالإضافة إلى "الذكاء الاستدلالي" لاستنتاج معلومات جديدة من البيانات المتاحة. وفي مجال كشف الجرائم، يُستخدم لتحليل البيانات الجنائية والكشف عن الأنماط، مما يُساهم في تعزيز جهود التحقيق الجنائي وإنفاذ القانون. علاوة على ذلك، نجد "الذكاء القائم على المعرفة والتعلم العميق" يعتمد على الشبكات العصبية لمعالجة كميات ضخمة من البيانات ومعرفة مسبقة لحل المشكلات، أما "الذكاء التنبؤي" فيستخدم البيانات التاريخية والنماذج الإحصائية لتوقع النتائج المستقبلية. بينما يركز "الذكاء التعاوني" على التعاون بين البشر والآلات في بيئات العمل. أيضًا، هناك "الذكاء التوليدي"، الذي ينشئ محتوى جديدا مثل النصوص والصور والنماذج الطبية والهندسية، و"الذكاء الموزع" الذي يتعامل مع الأنظمة التي تعمل معًا لحل مشكلات معقدة. وأخيرًا، يستخدم "الذكاء الاحتمالي" النماذج الاحتمالية للتعامل مع عدم اليقين في البيانات. تعكس هذه الأنواع تنوع الذكاء الاصطناعي وقدرته على التأثير في مجالات متعددة، إلى جانب أنواع أخرى لم تُذكر للإيجاز. أما عن أنواع الروبوتات، فكل منها مصمم لأداء مهام محددة. تشمل "الروبوتات الصناعية" التي تُستخدم في المصانع لأداء مهام مثل التجميع والتركيب واللحام وخطوط الإنتاج وأتمتة العمليات. أما "الروبوتات الشخصية" فتتضمن الأجهزة المستخدمة في الحياة اليومية مثل الأجهزة الكهربائية الذكية وأجهزة الطهي والإعداد والقابلة للارتداء لتحسين الحركة والتبريد والتدفئة. تُستخدم "الروبوتات الطبية" في مجالات كشف الأورام والجراحة والرعاية الصحية، بينما تُستخدم "الروبوتات النانوية" في التطبيقات الطبية على المستوى الخلوي واستكشاف جسم الإنسان. وتُعد "الروبوتات الاجتماعية" مصممة للتفاعل مع البشر، سواء في التعليم أو كرفاق للمسنين. أما "الروبوتات الدفاعية والعسكرية" كالطائرات المسيرة والروبوتات المستخدمة في الاستطلاع والرصد والقتال. وتعمل "الروبوتات الاستكشافية" في البيئات الصعبة مثل الفضاء وأعماق المحيطات والأماكن الوعرة. وتعمل "الروبوتات الزراعية" على تحسين الإنتاجية الزراعية، والحراثة، والحصاد، والتقطيع، وجني الثمار، ومراقبة البيئة ،وتحليلها. بالإضافة إلى "الروبوتات الترفيهية"، للألعاب والفعاليات الترفيهية. وهناك "الروبوتات المستقلة" القادرة على اتخاذ قرارات بناءً على البيانات المحيطة بها، مثل السيارات ذاتية القيادة والطائرات المسيرة. تساعد "الروبوتات الخدمية والإرشادية" في مجالات مثل الفنادق، والمطاعم، والمطارات، والتوصيل. تُستخدم "الروبوتات المتنقلة" في البحث والإنقاذ بفضل قدرتها على الحركة في بيئات مختلفة، وهناك مجموعة واسعة من التطبيقات الذكية لم يتسع المقال لذكرها. تعتمد الروبوتات على مجموعة من "الحساسات الهامة"، وتشمل الأنواع الرئيسة: "حساسات الأشعة تحت الحمراء" لقياس المسافة، " و"حساسات الموجات فوق الصوتية والليزر" لقياسات دقيقة عن طريق إرسال نبضات ليزر وتسجيل زمن ارتدادها. كما توجد "حساسات الانكسار" لقياس زاوية الضوء عند ملامسة الأجسام. و"حساسات الحركة" مثل التسارع و"حساسات الاتجاه والزوايا" لتقيس الحركة والدوران، و"حساسات الرؤية واللمس" التي تستشعر اللمس أو الاقتراب، و"حساسات الصوت" للتعرف على الأوامر، بالإضافة إلى "حساسات أخرى" تساعد الروبوتات في تجنب العقبات وتحديد المواقع وإنشاء خرائط، مما يعزز كفاءتها في التنقل. تنبع الفوائد العديدة للذكاء الاصطناعي، ولكن هناك تحديات ومخاوف تتعلق بفقدان الوظائف، وحماية الخصوصية، ودقة المعلومات وطرق استخدامها. بالإضافة إلى ذلك، تبرز القضايا الأخلاقية والأمانة العلمية، وخطر التحيز إذا تم تدريب وتوجيه الأنظمة على بيانات غير متوازنة. في الختام، يُظهر الذكاء الاصطناعي كأداة قوية تُغير الطريقة التي نعيش ونعمل بها. لذا، من الضروري أن نفهم هذه التكنولوجيا ونتعامل معها بحذر وأمانة، لنستفيد من مزاياها مع تقليل المخاطر المحتملة.