ليس مستغرباً أن أُطلق على المسكن "الأمن العقاري"، لأنه باختصار أغلى ما يتمناه الإنسان في حياته، ربما قبل المأكل والمشرب، السكن والمسكن، فلسفة الأمن الإنساني بقيمه الروحية، فما أجمل أن يحظى الإنسان بهذا الأمن، الذي يسعى إليه منذ نعومة أظفاره، فما يلبث المواطن عندما تقتحمه مرحلة المراهقة، ويبدأ الحلم الغالي، السكن والمسكن والملاذ والمأوى، وحلم العائلة. ولأهمية تلك القضية أولتها المملكة جل اهتمامها وسطّرت معالمها في رؤيتها الطموحة، ليصبح المسكن أحد برامج رؤية المملكة 2030، لتمكين المواطنين من تملك مساكنهم، ونتيجة لهذا الاهتمام أضحت نسبة الأسر السعودية التي تمتلك وحدة سكنية 63,74 % مع نهاية عام 2023، بارتفاع 16,7 نقطة مئوية مقارنة بعام 2016، متجاوزة المستهدف تحقيقه في عام 2023 والبالغ 63 %، حيث استفادت قرابة 100 ألف أسرة من مستحقي الدعم السكني خلال العام الماضي 2023، بمساهمة من برنامج الإسكان في تحمل تكاليف السكن، كما تحققت أحلام 20 ألف أسرة أخرى من تملك مساكنهم، عبر الإسكان التنموي. إن المملكة في العقدين الأخيرين، أعدت العدة بتخطيط جيد لتنمية الثروة العقارية، فهي رصيد وعوائد جارية تضخ المزيد من عناصر القوة في خزائن الاقتصاد الوطني، بعدد من المدن الجديدة النوعية، ذات الجودة الحياتية التقنية الراقية، لتحقق مفهوم جودة الحياة، والأمن العقاري على أرض الواقع، في ظل وجود مشاريع استثمارية عقارية عالمية على أرض الوطن، إدراكاً من رؤية 2030 لأهمية القطاع العقاري الثري؛ ليكون أهم روافد الاقتصاد الوطني، لأنه جاذب للاستثمارات الأجنبية، ومنبع للمشاريع العملاقة، وخلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة لأبناء الوطن. إننا أمام نهضة عقارية غير مسبوقة، ومن الجهود الكبيرة لوزارة العدل تمت رقمنة 180 مليون وثيقة عقارية قامت بها، ضمن مبادرة رقمنة الثروة العقارية، إحدى مبادرات التحول الوطني، وتسريع وتيرة الخدمات المبتكرة، وإتاحة عمليات البيع والشراء بسهولة ويسر، وتمكين المستفيدين من خدمات الرهون العقارية إلكترونياً. وتبقى الثروة العقارية وتنميتها وحمايتها والاستثمار فيها مرهونة بتحقيق الأمن العقاري، الذي يتطلب المزيد من التطوير والتحديث، وإيجاد الحلول لضمان مبدأ الأمان والحماية المستدامة لرؤوس الأموال والمستهلكين والمستثمرين، والتحكم بالعرض والطلب وأسعار الأراضي والعقارات عند مستويات تنافسية مقبولة تعود على الاقتصاد الوطني بالتنمية والازدهار، والشفافية. ومن الجهود الخلاقة، قرار مجلس الوزارة بتأسيس الشركة الوطنية لخدمات التسجيل العيني للعقار "السجل العقاري" في مايو 2021م، هذه الخطوة التي من مهامها الحفاظ على الثروة العقارية، وتحقيق الأمن فيه، لأن التسجيل العقاري يحقق استقرارا للملكية العقارية، ويوفر الثقة والأمان للمتعاملين في قطاع العقار، ويحافظ على الحقوق العقارية، ويوفر الحماية القانونية، ويحد من التعارضات والنزاعات القضائية حول الأبعاد والإزاحات وتداخل المساحات، ويمنح الحجية المطلقة لمالكي العقار. لا نبالغ إذا قلنا إن أهم خطوة لتحقيق الأمن العقاري تكمن في التسجيل العيني للعقار، حيث تقوم الإدارة المعنية بأمره بجهود جبارة لتسجيل الثروة العقارية؛ لتعزيز الشفافية والموثوقية في السوق العقارية، ورفع كفاءة التعاملات العقارية، وخلق بيئة جاذبة للاستثمار المحلي والأجنبي، وتعزيز موثوقية الملكية العقارية، وتنمية هذه الثروة، ورفع كفاءتها وحوكمتها، وضمان استدامتها وحيويتها، وفي السجل العقاري يمكن بسهولة عمليات الرهن وفكها، لأن نظام التسجيل يشمل جميع أنواع العقارات من أرض وفيلات وشقق، خاصة أن التسجيل مازال مجانياً رقمياً، عصرياً في توجهاته وأهدافه، وتحديث بياناته، والربط المباشر مع الأمانات، لضمان تسجيل جميع عمليات إصدار الرخص التي تتم على العقار، ومن الإنجازات الحقيقية لتلك الجهود أنه بنهاية 2024 سوف يتم الإعلان عن مليوني قطعة عقارية معلنة مستفيدة من السجل العقاري.