حين أقرأ كلمة (كبت الشعور) أو (كتم الشعور) يراودني فورًا الإحساس بالضيق، لأني أدرك جيدًا الآثار المترتبة على هذا الكبت، فعند إصابة الإنسان بالمشاعر السيئة الناتجة عن ضغوط الحياة المختلفة، يسعى إلى إزالتها بكتمها وإرسالها إلى مكانٍ قصي في روحه، وذاكرته، سواءً كانت تلك الضغوط صادرة من محيط العمل أو العائلة أو الأصدقاء، فهو يرى أنها قد تعيقه وتكدره وبالتالي يظن أنه يتخلص منها، ولكن هو في الحقيقة ينقلها من دائرة الشعور إلى دائرة اللاشعور، ومن حالة الوعي إلى حالة اللاوعي، لأن كتم المشاعر يؤدي إلى تراكمها، وتضخمها، وبالتالي إلى سُميتها، ربما يعتقد أنها انتهت بإخراسها أو تجاهلها ولكن في الحقيقة هي مازالت موجودة بل وتتغذى على المزيد من الغضب، أيضًا قد يوجد لديه قاعدة سابقة من ترسبات الطفولة المؤذية أو ما يسمى بصدمات الطفولة حيث يصبح الداخل مختنق جدًا وممتلئ بالمشاعر المتراكمة، يقول العالم فرويد: (المشاعرُ المكتومة لا تموت أبداً، إنها مدفونةٌ وهي على قيد الحياة، وستظهرُ لاحقاً بطرقٍ بشعة)، وبالفعل هذا ما يحدث، لأن كبت المشاعر له تأثير سلبي على الروح، وتأثير فسيولوجي على الجسد، بل إن أثره يصل إلى المجتمع والمحيط من حوله، الإنسان يجاهد في التعايش مع الآخرين ومع الظروف وهو يحمل كل هذا الثقل في روحه، معتقدًا أن الكبت إحدى سبل المرور من حقول الحياة الشائكة، وأن حجز المشاعر وسيلة سلام، بينما يعتبر الكبت علميًا طريق حقيقي للأمراض النفسية مثل: الاكتئاب والقلق والانفصام، وللأمراض الجسدية أيضًا مثل: الإصابة بالنوبات القلبية والضغط والسكر، وغيرها، حيث إن هناك علاقة وثيقة بين الجسد والروح، فالمشاعر تؤثر على أعضاء الجسم، والتفكير يؤثرعلى الصحة، لن أقول إن لا شيء يستحق الغضب أو الحزن، لأني لا أملك الحق في مصادرة مشاعر الآخرين، أو التنبؤ بظروفهم، ولكن ما يجدر الحديث عنه هو (الكبت) الذي يحدث نتيجة الإصابة بكل تلك المشاعر الدميمة، حيث يبدو الإنسان في حالة تظاهر سلمي واندماج مع ما حوله ولكنه في الأصل يعمل على ردم شعوره الحقيقي، رغم قدرته على التحرر من ذلك الصمت ومن كتم الشعور، فالصحة النفسية تدعو إلى سلامة الروح، وتحريرها من المشاعر المكبوتة، وتفريغها بالطرق المتعددة والمتاحة حسب إمكانيات كل شخص، كمواجهة الآخر، أو التفريغ بالكتابة، أو التفريغ بالفن مثل: الرسم أو النحت أو العزف وغيرها من الفنون والطرق، حيث إنها جميعها وسائل فعَّالة أثبتت تأثيرها الإيجابي من خلال الدراسات في المجتمعات المختلفة، ردود أفعالنا من العالم يجدر بها الظهور بسلام، ومحاولة إقصائها من العقل والروح ليست سوى طريقة لإظهارها مرةً أخرى ببشاعة.