هناك ارتفاع وبشكل واضح لنسبة الإصابة بالأمراض النفسية؛ لكن الأغلب يجهلون أنهم مصابون به لاختلاط أعراض المرض النفسي بأعراض عضوية، وهذا ما يسمى في علم النفس (الاضطرابات السيكوسوماتية)، وهي إنذارات خطر تنبعث من الجسم للإشارة لصراع نفسي داخلي وعدم الراحة النفسية، تظهر بصورة أعراض جسدية ليس لها أي سبب عضوي. ومن الأدوات التي تخفف من حدة التوتر والقلق والأمراض النفسية هي (الفضفضة) التي تسمى في علم النفس التنفيس الانفعالي؛ هي البوح وإطلاق العنان للفكر والمشاعر، فكل منا يتحدث عن مشاعره وأفكاره بطريقة مختلفة؛ فالبعض يمارس الرياضة وهواياته ومواهبه لتفريغ همومه المكبوتة، والبعض عن طريق الكتابة وتسطير الخواطر وسرد القصص، والبعض يلجأ للبكاء فالدموع نعمة تحرر المرء من الأثقال وتجنبه أمراض العصر كارتفاع الضغط وأمراض القلب، على عكس كبت البكاء الذي يؤدي إلى الإحساس بالضغط والتوتر المؤدي إلى الإصابة ببعض الأمراض أبرزها الصداع والقرحة، وقد يفضفض آخرون بالضحك فالهرمونات التي تطلقها نوبات الضحك تنشط الجسم إلى أقصى حد وتخفف الشعور بالألم. الطبيب النفسي جون غراي في كتابه الشهير (النساء من الزهرة والرجال من المريخ) يقول إن المرأة عندما تشتكي لزوجها عما يضايقها فهي لا تريد حلولاً لكنها بحاجة لإنصات واهتمام، لذلك فالفضفضة أو البوح بالمشكلات ليس نوعاً من الثرثرة لكنها إحدى طرق العلاج النفسي التي تقضي على الكبت والمعاناة التي يتعرض لها الإنسان في حياته اليومية، والتي من شأنها أيضا تخليصه من الشحنة الانفعالية الزائدة عن طاقته، لكنها في الوقت ذاته لا بد أن تكون مع مختص أو أهل ثقة حتى لا يتبعها ندم، فالشخصية التي يتم الفضفضة معها يجب أن تتسم بالأمانة والصدق وتمتلك شيئاً من الحكمة والخبرة، بالإضافة أن يكون هذا الشخص مهتما بالأمر ومتعاطفا ويستمع ويعطي حلولا. البوح والفضفضة هو إخراج للطاقة السلبية والمحبطة التي تعيق مسيرة الحياة الصحيحة والسليمة، والتي تسبب الضغوط النفسية والعصبية ما يسبب تهالك الصحة والجسد، ولكن لا يكون البوح بشكل مبالغ به وفي كل شيء، فليس كل ما يسبب الهم والغم يتم البوح به، فربما يكون هذا البوح سلبياً، إذاً فالمقياس في ذلك درجة حجم ومقياس المشكلة، فبعض الأمور بسيطة وباستطاعتنا حلها أو التخلص منها ذهنياً خاصة بعض المشكلات الأسرية التي لا يجب أن نبوح بتفاصيلها. الفضفضة لها فوائد متعددة في تخفيف ضغوط الكبت لدى الفرد، لكنها لا تكفي للعلاج، وهي تستخدم كعلاج تكميلي تدعيمي يساهم في تخفيف حدة الآلام والمعاناة ووقاية الإنسان من الوقوع في براثن المشكلات النفسية، ويرى الكثير من المستشارين الاجتماعيين والاختصاصيين النفسيين بأن الفضفضة نصف العلاج النفسي لدى الكثير من المرضى أو المتعبين نفسياً أو من يمرون بظروف الحياة المختلفة، لذلك لن يعالج الصمت الحالة النفسية ولكن قد تخفف الفضفضة من الضغوطات.